مدار البيداغوجيا هو التكرار، وبالتكرار تدرك الأسرار، كما يقول القدماء، ولا بأس من أن نكرر أشياء معلومة. يعيش المغرب تحولا عميقا، داخليا وعلى مستوى التحولات الدولية، مما يستلزم خيارات جديدة، وهو ما أقدم عليه بالفعل، صونا لقضاياه الاستراتيجية، ومنها بالدرجة الأولى وحدته الترابية. قد نختلف في الأسلوب وطريقة التعبير، لكن لا نختلف من حيث الجوهر. والخيارات التي أجراها المغرب من خلال تمتين الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، أثناء زيارة وزير الدفاع الأمريكي السابق، قبل سنة بالضبط، يندرج في هذه الخيارات الاستراتيجية الضرورية.
ليس هناك خيار استراتيجي للمغرب سوى ذاك، ليس من أجل الاصطفاف في معسكر دون آخر، ولكن في التقدم والارتقاء، وتحقيقه مصالحه الآنية والاستراتيجية.
ما أعقب ذلك من اعتراف الإدارة الأمريكية بمغربية الصحراء، هو نتيجة للخيار الذي سبقه أثناء زيارة وزير الدفاع الأمريكي الأسبق. وهو أمر طبيعي وضروري. قد نجادل في الربط بين اعتراف الإدارة الأمريكية على مغربية الصحراء، واتفاقية أبراهام، لكن لا نجادل من حيث الجوهر.
نتفق مع الخيار المغاربي، ولكن لا يمكن أن نقبل بازدواجية الخطاب والفعل. نعم كان «الاتحاد في موت سريري» غِبّ نشأته، ولكن الأمل الخافت، جعلنا نردد دوما «الخيار الاستراتيجي للاتحاد المغاربي»، أملا في الارعواء ..ولم يحدث ارعواء، بل تمادي في الغي، من خلال الدعوة إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والجزائر، من قِبل الجزائر، بناء على مزاعم واهية، وادعاءات على «عمليات عدائية متواصلة»، تسيء لمن يرددها، أكثر مما تسيء لمن هي موجهة إليه، لأنها تفقد من يرددها كل مصداقية.
وأحسنت الدبلوماسية المغربية صُنعا أنها لم ترد، ولا ينبغي أن ترد. ليس عن موقف ضعف، لأن الملاحظين يدركون أن التصريحات الجزافية والمجانية هي تعبير عن ارتباك.. ولا ينبغي البتة الرد الخطابي، أسوة بهذا المثل الأمازيغي المعبر عن العبقرية المغربية (ونّا دا يتيني، أور دا يتكا، ذ ونا ذا يتكان، أور ذا يتني) (من يتكلم لا يفعل، ومن يفعل لا يتكلم) .فلنبق في هذا الإطار، فهو ما سيكسبنا احتراما وهيبة.
ما قيل عن العلاقات المغربية الجزائرية قيل في خطاب الملك أثناء خطاب عيد العرش الأخير، ولا ينبغي الأسى على الحليب المراق، كما يقول المثل الإنجليزي.
في هذا الإطار، لا يمكن ألا نتكلم عن تونس، وموقفها الأخير من قضية الصحراء، وامتناعها عن التصويت عن قرار مجلس الأمن .لا ينبغي الرد على هذا الموقف، ولا اتخاذ أي موقف عدائي تجاه الشعب التونسي، وينبغي لأعمال التعاون أن تستمر، على المستوى التقني، ولا ينبغي أن يصدر موقف يتعلق بالشؤون الداخلية التونسية .تونس مغلوبة على أمرها، ويوم أن تتعافى، يمكن الحديث وفق ذلك السياق..
لكننا ندرك أن السياسة الخارجية هي استمرارية للسياسة الداخلية، ولن نمل من تكرار ما نردده دوما، من ضرورة تنقية الأجواء الداخلية، بطي صفحة الاعتقالات التي طالت بعضا من نشطاء الريف والصحافيين…
وحينها يمكن أن نتلو هذا المقطع الشعري لميخائيل نعيمة، الذي كان يروق للمرحوم الحسن الثاني ويحب أن يستشهد به:
سقف بيتي حديدٌ ركني بيتي حجرْ
فاعصفي يا رياح، واهطلي بالمطرْ
لست أخشى خطرْ
نعم، نندرج في الخيارات الاستراتيجية التي انتهجها المغرب والتي تمليها التغيرات الدولية والمصالح الاستراتيجية للمغرب، ولذلك نريد مغربا قويا بتماسك جبهته الداخلية. وما يُضيرنا بعدها العنتريات، ولا حروب طواحين الهواء، ولا للجبان الذي إذ يخلو بنفسه يطلب لوحده الطعن والنِّزال، كما يقول المتنبي.
حسن أوريد
مستشار علمي بهيئة التحرير
الحسن الثاني طيلة حكمه استشهد باربعة شعراء . لكن اهم بيت استشهد به هو ; لو بغير الماء حلق شرق **كنت كالغصان بالماء اعتصاري / للشاعر عدي بن زيد