ينتمي امحمد بوستة إلى فئة الفاعلين السياسيين نادري الحضور في الفضاء العمومي، منذ مغادرته قيادة حزب الاستقلال، قبل سنوات، حتى أصبحت مساهماته في هذا الفضاء حدثا في حد ذاته. لكن قيمة مساهمته لا ترجع فقط لندرته، بل أيضا للأدوار التي لعبها في قيادة حزبه على مدى عقود، والأحداث التي كان شاهدا عليها، ما يجعل ذاكرته من المصادر المهمة للتاريخ السياسي الراهن .في انتظار صدور مذكراته المرتقبة، يخص امحمد بوستة ”زمان” بإضاءات حول علاقة القصر بالأحزاب الناشئة عن الحركة الوطنية، وخاصة منها حزب الاستقلال، وروايته لما يقال عن استقلالية القرار الحزبي عن القصر.
تردد كثيرا أن خلافتك لعلال الفاسي في الأمانة العامة لحزب الاستقلال، إثر وفاته سنة ،1974 لم تكن قرارا خالصا للاستقلاليين بقدر ما كانت نزولا عند إرادة الملك الراحل الحسن الثاني، الذي أوحى لوفد من قيادة الحزب بما يفيد رغبته في توليك أنت هذه المسؤولية، وذلك يوم توجهتم لتعزيته في وفاة علال الفاسي .ما حقيقة هذه القصة؟
سمعت وقرأت هذه القصة كثيرا، من الطبيعي أن يؤول الناس الأحداث كما يشاؤون. الحقيقة أنني كنت أرافق السي علال في زيارته لرومانيا، حيث توفي رحمه لله، وعند عودتي إلى المغرب اجتمعت اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال واختارت وفدا يتوجه إلى القصر الملكي ليقدم العزاء للملك الحسن الثاني رحمه الله، كما تقتضي ذلك العادة. كان الحاج عمر بنعبد الجليل هو الذي يترأس الوفد، وعند مغادرته القاعة التي كان فيها اللقاء، قال الحاج بنعبد الجليل للصحافة: «كلنا علال»، فأردف الملك قائلا: «رحم لله علال الفاسي، حتى أنا واحد منكم». هذا ما قاله الحسن الثاني يومها، ولم يذكر أي اسم ولا أي إشارة ولا تلميح لمن يراه أهلا لخلافة السي علال. وكل ما يقال في هذا الصدد مجرد تأويلات لا أساس لها من الواقع.
هل كانت هذه الاتصالات تتم بتكليف من قيادة الحزب؟
بطبيعة الحال. الإطار الذي كان ينظم علاقات الملك بقيادة حزب الاستقلال كان واضحا. يتعلق الأمر بطلب معلومات أو التشاور في القضايا الوطنية، وخاصة قضية الصحراء، وكنت أشارك مع قياديين آخرين من الحزب في هذه الاتصالات، ولم يكن الأمر يتجاوز هذا المستوى المناسباتي.
على سبيل المثال كان السي علال طلب قبل أن يسافر إلى رومانيا لقاء مع الملك ليأخذ المعلومات المتعلقة بما كانت تهيئ له اسبانيا بخصوص قضية الصحراء. صحيح أنني كنت أعرف الحسن الثاني قبل الاستقلال، لكن الأحداث التي ارتبطت بتأسيس «الفديك» وانتخابات 1963، حين أخبرني الطاهر أوعسو، عامل مراكش آنذاك، أن قرار المخزن كان يقضي مسبقا بعدم انتخابي مهما كانت النتائج الحقيقية للاقتراع، أدت إلى فتور العلاقة مع الملك. هذا الفتور تحول إلى قطيعة تامة بعد قرار الحسن الثاني إعلان حالة الاستثناء في سنة 1965، واستمر الأمر على هذه الحال إلى غاية سنة 1970 عند تأسيس الكتلة الوطنية، لتستأنف في إطارها اتصالاتنا مع الملك، إضافة طبعا إلى مستجدات قضية الصحراء، كما أوضحت أعلاه.
حاوره إسماعيل بلاوعلي
تتمة المقال تجدونها في العدد 15 من مجلتكم «زمان»