كان إبراهيم أوشلح عضوا في قيادة التنظيم السري لحزب الاتحاد الوطني (ثم الاشتراكي) للقوات الشعبية، ومسؤولا عن إذاعة «التحرير» في ليبيا. من موقعه هذا عاش تفاصيل الإعداد للثورة المسلحة التي كان ينوي الحزب قيادتها لإسقاط نظام الحسن الثاني. في شهادته عن هذه المرحلة، يكشف ويشرح أوشلح الوقائع والأحداث كما عاشها وشارك فيها.
قبل أن تصبح عضوا في التنظيم السري لحزب الاتحاد الوطني (ثم الاشتراكي) للقوات الشعبية، كيف تشكل وعيك السياسي؟
لا بد من العودة إلى مرحلة الطفولة التي كانت أجواؤها أساسية في تكوين وعيي السياسي مبكرا. نشأت وسط عائلة استقلالية، تتحدر من تافراوت بمنطقة سوس، وكان والدي منخرطا في نضالات حزب الاستقلال في مدينة سلا حيث ولدت وترعرعت. أتذكر، مثلا، أن والدتي حكت لي وأنا طفل كيف أن أبي كان يمكن أن يستشهد قبل أن أرى النور، لمشاركته في مظاهرات 29 يناير 1944 التي قادها عبد الرحيم بوعبيد وبوبكر القادري آنذاك في مدينة سلا ضد الاستعمار، والتي ووجهت بقمع دموي. أذكر أيضا حكايات والدتي عن اجتماعات خلايا الحزب في بيتنا. كما أتذكر جيدا كيف عشت باهتمام كبير نفي محمد الخامس سنة 1953، وكيف أثر في تفاعل والدي ومحيطي مع هذا الحدث.
بعد ذلك جاءت مرحلة الدراسة، في مدرسة الأعيان بسلا ثم ثانوية مولاي يوسف بالرباط. كانت محطة أساسية في ترسيخ وعيي الوطني. في مدرسة الأعيان كان مدرسونا فرنسيين وأول مغربي درست على يديه كان هو الأستاذ البكاري. أذكر أننا نفذنا إضرابا عن الدراسة وعمري لم يكن يتجاوز 11 سنة، بعدما طرد هذا الأستاذ لمحاولته خلق قسم نموذجي حديث في المدرسة آنذاك.
أما في ثانوية مولا يوسف فتأثرت كثيرا بالأستاذين السغروشني وزنيبر، اللذين كانا يدرساننا فكر المعتزلة في الثرات الإسلامي، بعدما قام الحسن الثاني سنة 1963 باستبدال دروس الفلسفة بالفكر الإسلامي. إلى جانبهما كانت “Lucie Aubrac” (من أشهر مقاومي النازية في فرنسا)، وفرانسوا دي لاسودا الذي كان له دور هام في حركة مناهضي حرب الجزائر، وجميعهم زرعوا فينا أفكارا تقدمية.
أود أيضا أن أشير إلى صدمة حرب الرمال مع الجزائر سنة 1963، والتي كان لها أثر في تكويني السياسي. أذكر هنا صدفة عجيبة، إذ جاء مرة فريق من ضباط الجيش الملكي ونقلونا إلى ثانوية لالة نزهة بالرباط حيث عرضوا علينا شريطا دعائيا للقوات الجوية، وفي نهاية العرض قدمت إلينا استمارات لنملأها. الذين ملؤوا استماراتهم أصبحوا فيما بعد أعضاء في الجيش، وكان من بينهم مبارك الطويل والزموري اللذان سيشاركان في ما بعد في انقلاب الصخيرات سنة 72 وسيزج بهما في معتقل تازمامارت. أما أنا فكنت من الذين لم يملؤوا تلك الاستمارات.
كيف التحقت بالاتحاد الوطني للقوات الشعبية؟
شاركت في الحملة الانتخابية مع المهدي العلوي، مرشح الاتحاد، في انتخابات 1962، ولم أكن أحمل حينها بطاقة الحزب. يمكن القول إنني كنت منخرطا فيه بشكل ضمني. بالعودة لمرحلة الدراسة الجامعية كانت انتفاضة 23 مارس 1965، محطة أخرى هامة في ترسيخ وعيي السياسي. لم تكن كلية العلوم حينها شاركت في المظاهرات التي نظمها الطلبة بالرباط، لكن الحي الجامعي ظل محاصرا من طرف قوات “الكوم” العسكرية ثلاثة أيام، ثم اقتحم الحي ونكل بالطلبة. في 1967 حصلت على شهادة الإجازة وقررت الانتقال إلى فرنسا لإتمام دراستي، وتحديدا بمدينة غرونوبل. هناك سوف ألتقي مجددا بالعربي عجول وحميد بلقاضي، كما سأتعرف على مناضلين اتحاديين آخرين مثل الطيب بناني والعربي الجعيدي والبشير بنبركة والجرموني، إضافة إلى المرحوم إدريس بنعلي وبلكندوز، اللذين كانا أقرب إلى الحزب الشيوعي المغربي آنذاك. في غرونوبل كان محمد واكوك مناضلا اتحاديا يلعب دورا هاما في الإشراف على خلايا حزبية. صادف قدومي لفرنسا استعداده للعودة إلى المغرب، وكان عليه أن يجد من يورثه الإشراف على الخلايا التي كان مسؤولا عنها، فأوكل إليَّ رفقة العربي عجول مهمة تدبير خليتين عماليتين. إلى جانب هاتين الخليتين بدأت رفقة الطيب بناني في تأسيس خلايا حزبية جديدة. لم يكن النضال الحزبي همنا الوحيد، بل كنا نولي اهتماما كبيرا للنجاح في دراستنا والحصول على الشهادات التي جئنا من أجلها. في تلك الفترة حدثت انتفاضة ماي 68 الشهيرة بفرنسا، وعشت تفاصيل النقاش الفكري والسياسي الذي ميز المرحلة.
حاوراه المصطفى بوعزيز وإسماعيل بلاوعلي
تتمة الحوار تجدونها في العدد 1 من مجلتكم «زمان»