تشتهر المناطق الصحراوية في المغرب بشعر يحمل خصوصية عن باقي أنماط الشعر المتداول، يسمى “التبراع” .هذا الشعر هو وسيلة المرأة الصحراوية للتعبير عن حبها للرجل.
ما هو شعر “التبراع“ وما هي خصوصيته؟ وكيف ظهر وبماذا تميز؟ ولماذا تجد فيه النساء حريتهن للتعبير عن الحب “دون قيود“؟ ثم هل يقتصر على التعبير العفيف أو يتعداه إلى الوصف الفاضح وإلى الرغبة الجنسية؟ قبل الخوض في الموضوع، يقترح كل الباحثين في الموضوع النظر أولا، ولو بشكل عام إلى وضع المرأة الصحراوية: بيئتها ومكانتها في المجتمع أو القبيلة أو الأسرة ..فينبهون إلى أن النساء بالمناطق الصحراوية، وعلى غرار معظم نساء العالم وتاريخهن، عانين من التهميش والحرمان ولم يعبّرن عن رغباتهن أمام الملأ. لهذا، ومن أجل كسر القيود الرمزية والمادية داخل المجتمع الصحراوي، اضطرت المرأة الصحراوية «أن تتخذ السرية والحديث وراء الستار وسيلة للترويح عن آهاتها الغرامية وأحاسيسها الداخلية. من هنا، ولد شعر “التبراع“ الذي يشكل غرضا شعريا غزليا، أنتجته المرأة الصحراوية لتعبر من خلاله، وترسم فيه قصصها الغرامية ولواعجها العاطفية وأمنياتها الاجتماعية»، كما يقول عبد الحكيم بوغدا في دراسته للموضوع.
يعرّف أهل الاختصاص شعر التبراع بأنه لون أدبي خاص بالمرأة تتداوله النساء بالخصوص “على الشفاه دون أن يرقى لدرجة المكتوب“، فهو شعر، الغرض الأساس منه هو التغزل والتعبير عن مشاعر الحب. يقول الباحث محمد حيدره إنه “شعر شفوي مقصور على النساء، تتغزل بواسطته النساء في الرجال، وهو غير معروف إلا في موريتانيا ومناطق الصحراء المغاربية ..ويتجاوز دوره كشعر إلى طريقة لتحرير النساء وتشجيعهن على المشاركة في الحياة العامة، من الأسواق إلى المحافل الشعرية“. ونظرا لوضع المجتمع وقيوده، فإن المرأة الصحراوية، شابة كانت أو متقدمة في العمر، تنشد الشعر «بعيدا عن أنظار الرجال وداخل مجموعات النساء وفي مجالس خاصة تحيطها السرية»، فتتغزل الفتاة بحبيبها «بوصف خصاله وأخلاقه وإبراز صفاته، وللتأسف على غيابه أو عدم اكتراثه لما تشعر به، وللشكوى من المجتمع وعاداته». أما تسميته بذاك الاسم، فتوضح الباحثة الفرنسية كاترين تين الشيخ أن فعل “برع“ غير موجود في اللغة الحسانية .والفعل الوحيد لهذا الجذر هو تبرع ومنها “التبراع“.
غسان الكشوري
تتمة المقال تجدونها في العدد 104 من مجلتكم «زمان»