عرف المغرب منذ القدم بتعدد روافده الثقافية والدينية، وشكل عبر تاريخه نموذجا للتعايش والتضامن بين معتنقي مختلف الأديان والملل، فما هي أبرز صور هذا التضامن قبل الإسلام وبعده؟ وكيف رعت الدول الحاكمة هذا التعدد الديني والثقافي؟ وما هي صور التضامن الديني الباقية إلى اليوم؟
استوعب المغرب منذ القدم مختلف الأديان السماوية والأرضية، وتعايش على ترابه معتنقو مختلف الملل والنحل، من وثنية ومسيحية ويهودية، إلى جانب الديانات الفينيقية والرومانية، ورغم كل هذه الاختلافات العقائدية، فقد شهدت فترة ما قبل الإسلام العديد من أشكال التضامن والتعاون بين الأتباع، حيث ساهمت العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في تعزيز هذا التفاهم. عندما هرب اليهود من بابل بعد تدمير الهيكل الأول سنة 586 ق.م، ومن القدس بعد تدمير الهيكل الثاني سنة 70 ق.م، توجه عدد منهم إلى المغرب، حيث رحبت بهم القبائل الأمازيغية واستقبلتهم أفضل استقبال، وهو ما سهل اندماجهم بالمجتمعات المحلية، سواء بالقرى أو المناطق الجبلية، حيث ساهموا في التجارة والحرف التقليدية مثل صناعة الحلي والأسلحة. كما أن عددا من القبائل الأمازيغية بفعل هذا الاحتكاك اعتنقت الديانة اليهودية، وهو ما عزز الروابط بينها وبين اليهود القادمين من الشرق الأوسط. وعندما أسس الفينيقيون مستوطناتهم التجارية على السواحل المغربية كليكسوس وموغادور، لم يشكل الاختلاف العقدي عائقا أمام تعزيز العلاقات التجارية بينهم وبين الأمازيغ، حيث تبادلوا المعادن والجلود والزيوت مقابل السلع الفينيقية. وذلك ما كان أيضا مع الرومان حين بسطوا سيطرتهم على المغرب من 146 ق.م إلى 429 ق.م، فقد استمر السكان المحليون في ممارسة ديانتهم التقليدية بكل حرية، ورغم انتشار الديانة الوثنية الرومانية والمسيحية لاحقا، لم يجبر الأمازيغ على اعتناق الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية، وهو ما سمح بظهور مجتمعات متعددة الديانات في مدن مثل وليلي وطنجة.
محمد عبد الوهاب رفيقي
تتمة المقال تجدونها في العدد 138 من مجلتكم «زمان»