فرضت الحماية الفرنسية على المغرب تغييرا شمل عدة مجالات أساسية، منها قطاع التعليم. ورغم أن المغاربة درجوا اعتماد نظام تعليمي يتوافق مع تربيتهم الدينية وعاداتهم التاريخية، إلا أن الإدارة الفرنسية حاولت طمسه عبر تحييد اللغة العربية وعبر فصل العنصر العربي عن الأمازيغي.
الحديث عن قضية التعريب بالمغرب في عهد الحماية يجر إلى الحديث عن حال التعليم في تلك الفترة. ومن المؤكد أن التعليم كان سلاحا ذا حدين، أي يمكن أن يساعد في تنمية البلاد، أو يساهم في انتشار الوعي وانقلاب المغاربة على مستعمرهم. لكن إدارة الحماية حاولت تغليب ما يخدم أهدافها، فعمدت إلى “فرنسة” البرامج التعليمية وتفريق المغاربة في ما بينهم، وسعت جاهدة أن تعم لغتها شتى المجالات والقطاعات. ويبدو أنها نجحت نوعا ما في مسعاها على حساب تهميش اللغة العربية، بيد أن المقاومة المغربية دافعت من جهتها عن إرثها ولغتها. أورد محمد عابد الجابري، في مقدمة كتابه “التعليم في العالم العربي”، مقتطفا من الكلمة التي ألقاها مسيو هاردي، مدير التعليم الفرنسي بالمغرب في زمن الحماية، أمام جماعة من المراقبين المدنيين بمكناس سنة 1920، وهو خطاب يلخص فكرة الاستعمار الأساسية، إذ يقول: «منذ سنة 1912، دخل المغرب في حماية فرنسا، ولقد أصبح في الواقع أرضا فرنسية، وعلى الرغم من استمرار بعض المقاومة في تخومه، تلك المقاومة التي تعرفون أنتم وإخوانكم في السلاح مدى ضراوتها، فإنه يمكن القول إن الاحتلال العسكري لمجموع البلاد قد تم. ولكننا نعرف، نحن الفرنسيين، أن انتصار السلاح لا يعني النصر الكامل: إن القوة تبني الإمبراطوريات، ولكنها ليست هي التي تضمن الاستمرار والدوام. إن الرؤوس تنحني أمام المدافع، في حين تظل القلوب تغذي نار الحقد والرغبة في الانتقام. يجب إخضاع النفوس بعد أن تم إخضاع الأبدان. وإذا كانت هذه المهمة أقل صخبا من الأولى، فإنها صعبة مثلها، وهي تتطلب في الغالب وقتا أطول». يتبين، إذن، أن الإدارة الفرنسية لم تتوان عن رغبتها في إخضاع النفوس، رغم أن ذلك تطلب منها وقتا طويلا، لذا اختارت اللغة والتعليم وسيلة للإخضاع. لم تخف الحماية رغبتها في تدبير المجال التعليمي على طريقتها الخاصة، وذلك لأهميته وغايته الاقتصادية والتجارية حينها. وبدعوى المحافظة على التقاليد والأعراف التي عرفها المغرب، قامت مديرية التعليم بتقسيم قطاع التعليم إلى ثلاثة أنواع، معتمدة على تقسيم، اعتبره الجابري بـ”الطائفي”. ويتعلق الأمر بالتعليم الأوربي، التعليم الإسرائيلي (اليهودي)، التعليم الإسلامي (المغربي).
غسان الكشوري
تتمة الملف تجدونها في العدد 66 من مجلتكم «زمان»