ما تزال استقلالية التلفزيون العمومي ساحة حرب سياسية بين الحكومة وبعض المسؤولين الكبار في قنوات عمومية. رغم التقدم الذي حققته بعض القوانين، تذكر بالمواجهة التي خاضتها حكومة التناوب مع وزارة الداخلية ورجال العهد الجديد لتحرير التلفزيون.
عادة ما يكون مقر الإذاعة والتلفزيون من الأهداف الأولى التي يسارع الجنود للسيطرة عليها خلالها الانقلابات العسكرية، فليس هناك أبلغ من التلفزيون الرسمي لمخاطبة الرأي العام. من غرائب الصدف أن قلعة الإذاعة والتلفزيون، في المغرب، ظلت صامدة في وجه انقلابيي 1971 كما في وجه إصلاحيي 1998. لا مجال طبعا للمقارنة بين الفريقين في الأهداف والوسائل، لكن النتيجة تبقى واحدة. فإلى حدود اليوم ما تزال السلطة التنفيذية الناشئة عن انتخابات تشريعية تشتكي من انفلات التلفزيون العمومي عن سلطتها، وتوظيفه من قبل نافذين غير منتخبين، في محاربة المنتخبين. فيتجاوز حقه الطبيعي في نقد الحكومة إلى محاربتها خدمة لأجندة النافذين، الذين عادة ما يحجم المشتكون من هذه الوضعيات، عن تحديدهم بالأسماء والصفات، مكتفين بالتلميح لكل ما يمكن أن يختزله تعبير «المخزن»، بما في ذلك أساسا الإحالة على القصر.
إلى حدود نونبر 1999 كان تجسيد جيوب مقاومة إصلاح التلفزيون العمومي أكثر يسرا. فإدريس البصري، الذي جمع حقيبتي الداخلية والإعلام منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، كان الحاكم الفعلي للإذاعة والتلفزيون الرسميين. عند تعيين حكومة التناوب التوافقي أصبح تحرير هذا القطاع من الرهانات الأساسية للانتقال نحو الديمقراطية. يتلخص الموضوع إجمالا، في تحويل الإذاعة والتلفزيون إلى مؤسسة عمومية تتولى الحكومة الإشراف على تدبيرها الإداري والمالي، دون أن تكون لها سلطة التدخل في ما تنتجه من مضامين، إذ تصبح هذه السلطة من اختصاص هيأة مستقلة كما هو الشأن في البلدان الديمقراطية. الشق الثاني للبرنامج الإصلاحي كان يتمثل في رفع احتكار الدولة للمجال السمعي البصري، بالسماح للخواص بإنشاء إذاعات وقنوات تلفزيونية.
إسماعيل بلاوعلي
التتمة في العدد 10-11 من «زمان»