كما يمكن أن تجبل الطبيعة البشرية الناس على الكره والحقد، يمكن أن تفطرهم على الحب والعشق. وقد شغل مفهوم الحب، منذ القديم، فلاسفة اليونان الأوائل، ونظّروا له، بل جعلوه من الركائز الأساسية للفلسفة التي تعني، في ترجمتها إلى لغة الضاد، ”محبة الحكمة” .وعلى مر العصور، وإلى يومنا هذا، استمرت مشاعر الحب في إغراء وإغواء بني آدم، كيفما كانت معتقداتهم وأديانهم، وكيفما كانت قبائلهم وشعوبهم… المغاربة، كغيرهم من الأجناس البشرية، عرفوا الحب وجربوه، وإن اختلفوا في صيغ التعبير عن أحاسيسهم .تقرؤون في هذا الملف، الذي بين أيديكم، عن الحب عند الأجداد، وكيف تَحَدَّتْ بعض النساء القيم الأعراف، وتمردت عن كل وازع، كان مجتمعيا أو دينيا، يمنعها من الارتباط بمن تحب. كما تقرؤون عن الحب عند ”إيمازيغن” و”هل الصحرا”، وكيف وظفه الشيوخ والشيخات في تعبيراتهم الغنائية الشعبية. تقرؤون، أيضا، حوارا مع الباحث والمؤرخ عبد الله بوصوف الذي ينكب حاليا على إعداد دراسة عن ”تاريخ الحب عند المغاربة”، والذي يرى أن ”قصص الحب المغربية، سواء الواقعية منها أو الأسطورية، تتضمن مجموعة من القيم الكبرى المتمثلة في الإخلاص والوفاء والتضحية والمغامرة والصبر والجلد والإصرار والعفة، وهي القيم البانية للشخصية المغربية عبر التاريخ”.
تقول مقطوعة من شعر الغناء المعرف بإزلان: «كيف يستطيع أن ينطق كلمة الحب، يا ما ليس يحسن الأمازيغية»، (إيني ونا أور يسّين تمازيغت، أوال ن تيري أور تسينت)، كما لو أن الحب لا يمكن أن يكون إلا قصرا على من يتكلم الأمازيغية، وهو نوع ما تفخر به الثقافات، إذ قد تعتبر الفصاحة، أو الحكمة، أو البيان، أو الحب، قصرا عليها. واللافت أن تراثنا الشعبي المُعرّب يمتح من معين التراث الأمازيغي، فيمتزج الحب والرغبة، كما في الدارجة، حيث نقول «بغى، وكيبغي فلانة»، (أي يحبها، ويرغب فيها) وهو ترجمة لـ“دا يتيري“، والطريف أن جيراننا من الإسبان يمزجون ما بين الحب والرغبة، كما في قولهم “Te quiero” ، بمعني أحبك وأريدك، أو أرغب فيك. ومما انتقل من الأمازيغية، غرض من الأغراض، غايته التوسل، وهو المعروف بـ“تزكايت” (ومنه ما نقوله إلى الآن، زكَّى عليه، أي نادى عليه، ومزاوك، أي متوسل)، وهو ما انتقل إلى فن غنائي، هو الذي يعرف بـ“العيطة“، وكان في مبدئه توسلا، وأضحى شعرا غنائيا، غرضه التشبيب والغزل، سواء في صيغته الأمازيغية، أو العربية. ويجري كل من تزكايت والعطية على اللحن والأدوات نفسيهما، ولا يختلفان إلا في اللغة.
هيئة التحرير
تتمة المقال تجدونها في العدد 104 من مجلتكم «زمان»