تسلط “زمان”، مع الحسين الصغير، الضوء على صفحة معتمة من صفحات التاريخ الراهن لبلادنا، بعيدا عن أية إثارة أو أحكام مسبقة، فذاكرة الرجل وثيقة حية دالة على معالم مرحلة الصراع حول بناء الدولة الوطنية بعد الاستقلال. اختار الحسين تراغا، الشهير بالحسين الصغير، المشاركة في حركة المقاومة من أجل عودة محمد الخامس واستعادة البلاد لاستقلالها وسيادتها. بعد عودة الملك الشرعي إلى العرش وجد الحسين نفسه في طليعة الصراع من أجل استكمال استقلال البلاد وبناء أجهزة الدولة الوطنية. بتكليف من رفاقه في قيادة المقاومة واتفاق مع محمد الخامس، عهد إليه بالإشراف على جهاز أمن خاص اشتهر بـ”الساتيام” إحالة على مقره في المقاطعة السابعة للأمن بالدارالبيضاء.
في هذا الحوار المطول والحصري، يتحدث الحسين الصغير لأول مرة، عن مشاركة المقاومة في الجهاز الأمني مطلع الاستقلال، باتفاق مع القصر، مؤكدا أنها كانت من أجل تحقيق نفس الأهداف الوطنية ما دام أن الاستقلال الفعلي لم يتحقق بعد، وأن ثمة من يريد إبعاد المقاومين عن المشاركة في بناء الدولة الوطنية وإجبارهم على الخضوع لتقاعد سياسي مبكر. دون أن ينفي حصول تجاوزات في “الساتيام”، يستعرض الحسين تفاصيل أساسية من مرحلة الاقتتال بين بعض المقاومين، بعد فشل محاولة “توحيد المقاومة”، واضعا إياها في سياقها الخاص. بعدما شارك في بناء هذا الجهاز، أصبح الحسين مطاردا من عناصره، ليبدأ حياة جديدة قادته نحو المنافي في اسبانيا، يوغوسلافيا، حيث انفتح وعيه على النظرية الماركسية، والجزائر حيث تحمل مسؤوليات في التحضير لقيام حركة ثورية مسلحة، مرتبطة برفاقه في الحزب، ضد نظام الملك الراحل الحسن الثاني. صفحة أخرى، ما تزال لم تبح بكل أسرارها، يكشف الحسين الصغير جوانب جديدة منها.
كيف جاء انخراطك في الحركة الوطنية؟
حصل ذلك تدريجيا، إذ تكون لدي وعي وطني بفعل الظروف التي عشت فيها والأصدقاء الذين كنت أخالطهم .كانت البداية من ملاعب الكرة حين التحقت بفريق عبد المومن، في درب السلطان، كان يسيره مصطفى شمس الدين وميلود، صديق العربي بنمبارك الذي يزودنا بالألبسة الرياضية. كان الفريق يمارس في عصبة الفرق الحرة، التي ترأسها عبد السلام بناني، المسؤول في حزب الاستقلال بالدار البيضاء، وتضم الفرق التي تؤسس من طرف الوطنيين. مع استثناء فريق الوداد البيضاوي الذي أسسه الوطنيون وكان يمارس ضمن العصبة الفرنسية.
لا أعرف تاريخ ازديادي بالضبط، لكنني أرجح أن يكون سنة 1934 ،استنادا على شهادة طبية لطبيب رياضي عندما انتقلت لفئة الصغار ضمن فريق النهضة البيضاوية (الراك) حوالي سنة 1945. قضيت فترة من طفولتي في الخيرية بالدارالبيضاء، وفيها اكتسبت حب الكرة حيث كان يلعبها أصدقاء يكبرونني سنا، مثل صالح الشرقي وعمر الطنطاوي، اللذين أصبحا من كبار الموسيقيين المغاربة .عن طريق الأصدقاء التحقت بفريق عبد المومن، وبفضلهم بدأت أعي تدريجيا معنى الاستعمار ومعنى الوطنية .شاركت في مظاهرة سنة 1947 بعد ما سمي بـ”دقة ساليغان” في درب السلطان، وشاركت في مظاهرة 1952 احتجاجا على اغتيال فرحات حشاد .كان طبيعيا أن يترسخ لدي الشعور الوطني مبكرا.
كان فريق عبد المومن مرتبطا بحزب الاستقلال؟
طبعا، لكن ليس عبارة عن خلية من خلايا الحزب.
لذلك لم أنتم للحزب إلا عندما انخرطت في المقاومة، لاحقا. لو كان أصدقائي أعضاء فيه، حينئذ، لكانوا استقطبوني إليه بدون شك. لم أكن محتاجا لأنخرط في الحزب أو في الكشفية لكي أكتشف الشعور الوطني، فالظروف التي عشت فيها كانت كافية لأحس بالظلم والدونية تحت الاستعمار، خاصة عندما ولجت عالم الشغل.
حاوره إسماعيل بلاوعلي
تتمة الحوار تجدونها في العدد 38 من مجلتكم «زمان»