كانت المسألة المالية من العوامل الرئيسية التي وضعت إقامة الحماية الفرنسية على المغرب سنة 1912 على المحك، وأولتها الحكومة الفرنسية أهمية خاصة من البداية.
كان المغرب قبل فرض الحماية الفرنسية عليه لا يتوفر على ميزانية بالمفهوم الأوربي الحديث. وكان نظامه المالي، على غرار جميع أجهزة الدولة، نظاما تقليديا موروثا عن الماضي. وكان هذا النظام المالي لا يخضع لترتيب مسبق للنفقات والموارد اللازمة لمواجهتها، بل غاية ما ميزه الصبغة الحسابية وذلك بتقييد ما تم تحصيله من أموال وتقييد ما تم تنفيذه من صوائر في دفاتر خاصة. وكانت عملية الإنفاق تتم حسب الحاجة، وما كان يفضل من تلك النفقات كان يمثل وفرا يدخل بيوت المال ادخارا لمواجهة ما قد يحصل من نفقات طارئة.
ووافق هذا النظام المستوى الذي كانت عليه بنيات الدولة. وكان يضمن نوعا من التوازن بين الموارد والنفقات. غير أن نزول الفرنسيين بالجزائر وما تلاه من اصطدام المغرب بالبنيات الأوربية الرأسمالية أدى إلى ارتجاج البنيات المغربية التقليدية، وبين عجزها عن مواجهة ذلك الاصطدام.
هذه الرجة، على المستوى المالي، أدت إلى ارتباك مستمر في مالية البلاد جعلها تعيش أزمة كامنة انتهت في مطلع القرن العشرين إلى الإفلاس والاستسلام للأوساط المالية الاستعمارية. فلئن كان المغرب قد حاول البحث عن حل لمشاكله المالية عن طريق ما كان يوفره نظامه المالي التقليدي من وسائل العمل، فإن محاولة المولى عبد العزيز الفاشلة سنة 1901 لإصلاح النظام الجبائي كانت وبالا على بيت المال ونذيرا بدخول البلاد دوامة الاقتراض الخطرة التي أفقدتها استقلالها المالي أولا ثم السياسي بعد ذلك.
كانت مسألة تنظيم مالية المغرب من المسائل التي أعطتها السلطات الفرنسية أهمية خاصة من البداية. فقد طرحت المسألة المالية بالمغرب كثيرا من التساؤلات لدى الأوساط الفرنسية خاصة بعد التفاهم الفرنسي الألماني حول المغرب سنة 1911. وركزت هذه التساؤلات على الأوضاع الداخلية بالبلاد وعلى إمكاناتها المالية متخوفة من الكلفة المالية التي سوف يفرضها «الذهاب إلى المغرب» على فرنسا والفرنسيين.
وفي ظل هذه التساؤلات وفي سياق الاستعداد لفرض الحماية على المغرب وإعداد العدة لإقامة النظام الجديد فيه، أحدثت الحكومة الفرنسية في 18 يناير 1912 لجنة وزارية مشتركة لإعداد وثيقة الحماية التي سوف تفرضها على المغرب وللنظر في شروط إقامة النظام الجديد. وأولت اللجنة اهتماما خاصا بالجوانب المالية. فتدارست سبل تنظيمها وتداولت في شأن إمكانات البلاد والنفقات المحتملة. وقاربت شكل ميزانية الحماية المرتقبة ومضمونها.
المصطفى برنوسي
تتمة الملف تجدونها في العدد 34-35 من مجلتكم «زمان»