ترسخ التيار الصوفي في المغرب منذ المرابطي، ثم أفرز الرباطات والزوايا التي قامت بأدوار محورية في الحياة الدينية والعامة.
خلال العصر الوسيط، شيد المجتمع المغربي المسلم أماكن عدة للتعبد الجماعي، وفي طليعتها المجسد والمسجد الجامع، خاصة في المراكز الحضرية الكبرى التي شكّلت بؤر إشعاع ديني وعلمي. غير أن هذا المشهد العمراني–الروحي عرف تحولا نوعيا مع بروز التيار الصوفي، الذي ازداد ترسّخه وتوسّع نطاقه منذ عصر الدولة المرابطية، حيث أفرز أنماطا جديدة من المؤسسات الدينية تمثلت في الرباطات، ثم الزوايا لاحقا، التي لم تكن مجرد فضاءات للعزلة والعبادة، بل تحولت إلى مراكز روحية وعلمية واجتماعية قامت بأدوار محورية في الحياة الدينية والعامة .وسيُخصّص الاهتمام في هذا السياق للرباطات والزوايا، باعتبارهما من أبرز تجليات الحضور الصوفي في المغرب خلال العصر الوسيط. عرف تاريخ المغرب خلال العصر الوسيط، منذ القرن 3هـ/9م، وفق بعض التقديرات، ظهور الرباطات، وقد تحكم في ظهورها ظروف تاريخية وجغرافية وبشرية. وتعددت تسمياتها، فإذا كان الرباط أشهرها مثل رباط شاكر ورباط تيط، ورباط أبي محمد صالح…، فلا نعدم إشارات إلى الرابطة مثل رابطة بادس ورابطة الصيد في سبتة، ودار المرابطين مثل تلك التي وجدت في الطريق بين سلا ومراكش، وتلك التي أقامها واجاج بن زلو اللمطي بالسوس الأقصى، وإن لم تكن هذه الأخيرة مخصصة لإقامة الصوفية تحديدا. خصص الصوفية للمرابط في الرباط حيزا مهما في كتاباتهم، علما أنهم لم يتفقوا جميعهم على ضرورة ملازمة الرباط للقيام بتعبدهم، بل منهم أنكر ذلك كلية. أما المجيزون له، فوضعوا جملة من الشروط للالتحاق بالرباط، وحمل صفة المرابط، وهي: «الصلاح، والفقر (بالمفهوم الصوفي)، وزي الصوفية، وعدم الاشتغال بحرفة، والمخالطة للصوفية بطريق المساكنة»، أي أن يكون المرابط في جماعة.
محمد ياسر الهلالي
تتمة المقال تجدونها في العدد 140 من مجلتكم «زمان»