تفيد كلمة المخزن، السلطة عموما، ولعل أبلغ تعريف له، ذلك الذي قدّمه الحاجب باحماد، عقب وفاة السلطان مولاي الحسن بدار أولاد زيدوح، حين اعتبر المخزن، أو السلطة عموما، بمثابة خيمة، عمودها أو الحمّار هو السلطان، به تستقيم وتنهض، وأوتادها هم القُوّاد، بها تشتد وتصمد، وتواجه الأعاصير.
كل بنية سلطة، فالمخزن يقوم على طقوس، أو ما يسمى اليوم ببروتوكول، ويُسمى قديما بالرسم (جمعه مراسم من غير ياء)، أو الترتيب، أو المخزنية، وترتبط بقواعد متواترة، تسمى القاعدة، وهي الكلمة المطابقة تماما لكلمة .“Tradition” لم يتم تقعيد الطقوس المخزنية، وإنما ظلت متوارثة، خاضعة لـ“لقاعدة“، يسهر عليها حُماة وسدنة، من “الدار“، وكذا من “عجائر“ الدار أو من العريفات. نجد بعضا من تلك الطقوس متناثرا في حوليات وشهادات، إلى أن بدأ الاتصال بالحضارة الغربية. وأقدم أوجين أوبان، في كتاب له عن المغرب، على تقييد بعض من تلك الطقوس، وسار على نهجه بعده، المؤرخ عبد الرحمان بن زيدان، مستفيدا من مكانته مزوار الشرفاء العلويين بمكناس، وكونه من سلالة السلطان مولاي إسماعيل، وولد الدار، في كتاب مرجعي وهو «العز والصولة في معالم نظام الدولة». ارتأى الملك الراحل الحسن الثاني أن يُقعّد الطقوس المخزنية في بداية ملكه، واستدعى إنجليزيين لهذا الغرض، ما لبثا أن نصحاه بإبقاء الأمور كما هي من غير تقعيد.
وتُعبر الطقوس المخزنية للدولة العلوية نتاج مسلسل يمتح من مصادر عدة، أولا من مخلفات الدولة السعدية، وما تركه السلطان أحمد المنصور الذهبي، الذي أخذ عن الدولة العَليّة (العثمانية)، بعض رسمها، أحيانا بكلمات تركية، بعضها ثبت، ومنها باشا، وكاهيا، وبيليكي، وبعضها اندثر، كما ألقاب الجيش ومراتبه، ومنها ما عُرّب، كالبوّابة (القوبجية) والإصباحية (السبايسة) …وما يزال أهل مراكش ينعتون ممن لا يفشي الأسرار، بكلمة قوب، وهي باب بالتركية، وكان الأتراك يعمدون إلى اختيار البوابين من الصم. ولقد كان السلطان سيدي محمد بن عبد لله حريصا أن يستحضر الطقوس في عهد السلطان أحمد المنصور ويتمثلها.
ومن الطقوس ما مصدره الزوايا، وتُعتبر دار المُلك لذلك حُرْما، لا يمكن أن يغشى المرء حماها إلا وهو مُجرَّد من السلاح، كما في كل حرم، وينزع الحذاء بمقربة السلطان، كما في حمى كل زاوية… وتمتح الطقوس المخزنية من أدبيات الزاوية كأن تنعت الواحد بالخديم، أو المحب، حسب الحالة، أو أن يأخذ واحد من أبناء السلطان “السِّر“ عن والده، كما في أدبيات الزوايا، و تُنفثُ البخور في دار المخزن كما في الزاوية.
حسن أوريد
تتمة المقال تجدونها في العدد 134 من مجلتكم «زمان»