شكلت الطقوس الدينية المرتبطة بالجنس، قديما، فعلا يجمع بين الواقع واللاهوت، وتتحدث نصوص عن “عادات جنسية” كانت تمارس خلال بعض المواسم أو الاحتفالات بشمال إفريقيا القديم.
ما بين الخمرة والجنس رابط المتعة واللذة بالمحرمات تصل بالإنسان مستوى الثمالة. وإذا كانت الخمرة مرتبطة بالإله «باخوس»، فإن للجنس آلهة ومعابد وخداما قبل أن تتبلور من خلال عادات وممارسات تثير الانتباه وتستوجب القراءة. وقد وظف الإنسان، عبر التاريخ، المحرمات والممنوعات للتقرب من القوى الطبيعية وإرضائها، وتكشف العادات والممارسات الجنسية، عن ترسخ معتقدات اتخذت من الاحتفالات والطقوس مناسبة لتجاوز المقدس في الممارسة الجنسية إلى حد التدنيس. وتتجلى هذه الظواهر من خلال المناسبات التي يحييها الإنسان من أجل إضفاء القدسية على مشروعية الممارسات سواء مع بني البشر أو مع القوى الكونية والروحية التي يؤمن بها. وغالبا ما تٌلف ممارسة هذه العادات بغطاء ديني يرقى بها حد التقديس القائم على الإيمان والاعتقاد المطلق، مما يضفي على العادة والممارسة مشروعية الاحتفاء بها وواجب الخضوع لها.
ليلة عشتر و الدعارة المقدسة
تقدم المصادر التاريخية أرضية معرفية خصبة تسعف في ضبط وتتبع تطور مجموعة من العادات التي كانت تميز شعوب وقبائل شمال إفريقيا خلال الفترة القديمة. وتجدر الإشارة إلى أن موضوع العادات والممارسات «العجيبة والغريبة» شكلت مادة دسمة في الكتابات الإغريقية واللاتينية باعتبار أنها «همجية»، وغير طبيعية عند الساكنة «البربرية» في بلاد العجائب والغرائب.
تسعف هذه الأرضية التاريخية في تناول بعض العادات الجنسية، ذات الطابع القدسي، عبر التاريخ، من أجل تفسير مجموعة من الظواهر والعادات والتقاليد والممارسات والاحتفالات التي ما تزال تقنن المجتمع المغربي إلى يومنا هذا.
تتحدث الأسطورة السومرية عن «ليلة عشتر» حيث يختلي الملك في كل أول ليلة من العام الجديد مع القديسة «عشتر» من أجل ضمان الخصوبة واستمرارية الخلف والخلق. وفي بابل كانت «معابد أفروديت» تحتضن من «المحصنات والمُخلصات والمحجبات» من يهبن أجسادهن لكل «متعبد» مع حلول ليلة بداية السنة الجديدة. ويذهب هيرودوت في القول إلى «أن من البابليين من يرغمون النساء على الحج، ولو مرة واحدة، إلى «معبد أفروديت» من أجل المتعة مع «غريب» ابتغاء إرضاء إله الخصوبة والخيرات. وفي إفريقيا الشمالية كانت الدعارة المقدسة منتشرة في المعابد الفينيقية والقرطاجية، إذ كان معبد عشتر في مدينة الكهف التونسية يحتضن من النساء من هن في خدمة الإله «فينوس» من خلال منح أجسادهن إلى كل ناسك أو وافد على المعبد.
شكلت «الدعارة المقدسة»، خلال الفترة القديمة، ممارسة لطقوس عبادة آلهة يرغب منها المتعبد تخليص روحه من الخطايا، وفي الوقت نفسه، تقربه من الخالق عبر «واجب» ضمان نقل الروح ومقامة الفناء والانقراض الحتمي لكل مخلوق على وجه الأرض. لقد شكلت الطقوس الدينية المرتبطة بالجنس، خلال الفترة القديمة، فعلا كونيا يجمع بين الواقع واللاهوت ويربط بين الفرد والقوى المطلقة، وتكمن قداستها في ضمان الخصوبة والاستمرارية الناتجة عن «التلاقح عبر المعاشرة». وتمارس هذه العادات في أماكن لها حرمتها، تؤهلها لهذه الممارسة المقدسة.
سعيد البوزيدي
تتمة المقال تجدونها في العدد 16 من مجلتكم «زمان»