يكاد يكون انتشار الفقر في المغرب من الظواهر ”الحتمية “التي لازمته على مر تاريخه، وقد نتج عنه بروز عدة ظواهر اجتماعية، منها التسول .فما قصة المتسولين في المغرب قديما؟ وما هي الوسائل التي وظفوها في تسولهم؟ وأين كانوا ينتشرون؟
عرف المغرب مثل باقي الشعوب ظاهرة الفقر في مجتمعه، وتعددت أسبابها بين اجتماعية واقتصادية وطبيعية (قحوط ومجاعات)، وكذلك تغيرات وقلاقل سياسية وحروب. ومن نتائج هذه الظاهرة، بروز العديد من المظاهر الاجتماعية التي نخرت المجتمع، منها انتشار ظاهرة التسول، وأيضا انتشار الأمراض واللصوصية وقطاع الطرق والمشعوذين والسحرة والمحتالين وأهل المتع.. وسنقتصر على ظاهرة المتسولين ومظاهرها المبكرة في مجتمع الغرب الإسلامي خلال العصر الوسيط. يشير المؤرخون والباحثون في تاريخ المهمشين، أن فئة المتسولين لم ينتبه إليها المؤرخون والإخباريون. في المقابل، وردت إشارات عنهم في كتب التراجم والجغرافيا والنوازل وغيرها من الأجناس المصدرية لاسيما المناقب، لارتباط المحتاجين والمتسولين بأخبار الزهاد والمحسنين وفاعلي الخير من رجالات التصوف، وهو ما انتبه إليه الباحثون في العقود الأخيرة فدونوا أخبارهم. من آثار تفشي ظاهرة الفقر، ظهور فئة المتسولين باختلاف ظروفهم ودرجة حاجتهم، وهي فئة لم يخل منها مجتمع ودولة من الدول المبكرة في المغرب. يذكر المؤرخ إبراهيم بوتشيش أن المجتمع الأندلسي عرف بدوره ظاهرة المتسولين عند استفحال الفوارق الاجتماعية وازدياد حركة الترف؛ فعندما أحكم المرابطون حكمهم على شبه الجزيرة الإيبيرية، «قلّت الموارد الحربية، وأصبح الجيل الثاني من أمرائها ينسلخون عن مبادئهم الإصلاحية.. فنجم عنها كثرة النفقات، فأُفرغ بيت المال، وارتفعت الأسعار بشكل مدهش، وتجدرت الأزمة الاجتماعية» .والوضع نفسه، أي تدهور أحوال العامة، حدث مع الدولة الموحدية لمّا نخرتها الاضطرابات وبدأت تتهاوى ركائزها ولهذا يعتبر هذا المؤرخ أن شريحة المتسولين «لم تكن سوى إفرازا لهذه الأزمات، وانعكاسا للتمايز الاجتماعي الذي تمخض عنه بروز تناقضات اجتماعية».
غسان الكشوري
تتمة المقال تجدونها في العدد 137 من مجلتكم «زمان»