لم يكن المغرب القديم منكفئا على ذاته، فقد تفاعل مع محيطه لغويا وسياسيا وتجاريا. وكانت له معتقداته وآلهته.
كثيرة هي العناصر التي حددت هوية المغرب القديم، اللغة بأمازيغيتها القديمة والبونية واللاتينية الناتجة عن التفاعل مع القرطاجيين والمستعمرين الرومان، والمعتقدات، والعبادات، وعادات القبائل، مشترك ثقافي – حضاري طبع هوية المجال وساكنته، أضيف إليه التحضر في ظل وجود شبكة من الحواضر موزعة بين الداخل والساحل، تشكلت وفق الطابع المحلي بتأثيرات خارجية إغريقية ورومانية. وأسهم الاقتصاد في هذا التحضر، فقد عرف المغرب القديم بإنتاج بعض أنواع الأقمشة الفاخرة، وتميز المغاربة القدامى، المستقرون منهم في السواحل خاصة، ببعض الأطعمة أثروا بها هويتهم، وثقافة حوض البحر الداخلي (البحر الأبيض المتوسط)، وأسهمت بعض الإنتاجات والمواد الأولية في إغناء التبادل التجاري ومن ثمة التلاقح الحضاري مع شعوب أخرى، أثرى بدوره هوية المغاربة القدامى.
لم تغب السياسة عن طبع هوية المغرب القديم، فقد عرف هذا المجال بعراقة النظام الملكي ذي الأساس القبلي منذ الألف الأخيرة قبل الميلاد، قدس فيه الإمبراطور، بأشكال مختلفة، وعُبِدَ باعتباره تجسيدا للدولة، وهو مؤشر على إحاطة الدين بالسياسة من وقتها. وعرف القسم الشمالي من المغرب الذي أطلق عليه الرومان اسم ماوريطانيا، مجموعة من الممالك المورية، انخرطت في معظم الأحداث الكبرى التي عرفها الحوض الغربي للبحر الداخلي؛ فقد شكلت هذه الممالك إطارا سياسيا لتنظيم العلاقة بين القبائل المشكلة لها والموجودة تحت نفوذها، للاستفادة من المجال التابع لها، والدفاع عنه اتجاه القبائل المجاورة خصوصا الرحل منهم، والدفاع عن البلاد إزاء المحتلين رومانا كانوا أو وندالا أو بيزنطيين.
حضرت الجغرافيا، بدورها، في رسم معالم هوية المغرب القديم؛ فسلاسله الجبلية الأطلسية التي أحاطته بهالة أسطورية، جعلت ساكنة حوض البحر الداخلي تختاره مكانا مفضلا لمنجزات أبطالها الأسطوريين من قبيل أسطورتي هرقل وأطلس.
لم تكن هوية المغاربة القدامى منكفئة على ذاتها، فإذا كان السكان المحليون رسموا معالمها، فإنها تفاعلت مع المجال الذي تشكلت فيه، ذاك هو مجال شمال إفريقيا، ليبيا بتسمية مصادر المرحلة، وحوض البحر الداخلي خاصة في شقه الغربي. تفاعل ظهر على مستوى المعبودات (فارسية، وإغريقية، ومصرية، ورومانية)، تم أحيانا بشكل طوعي، أسهمت فيه التجارة بدور كبير، وأخرى بشكل قسري مع تعاقب موجات احتلال للمنطقة خاصة الاحتلال الروماني الذي جاء بدين جديد، وأفكار جديدة، وعرق جديد…..
محمد ياسر الهلالي
تتمة المقال تجدونها في العدد 31 من مجلتكم «زمان»