كانت الدعارة من بين أهم القضايا التي بادرت فرنسا إلى تنظيمها داخل المدن المغربية، معتمدة في ذلك على تجربتها الخاصة وكذا تجاربها في كل من الجزائر وتونس .ومع تنامي انتشار الدعارة بشكل واسع في المغرب، قررت سلطات الحماية تقنين هاته المهنة، ونتج عن ذلك، تأسيس مؤسسة فرنسية شهيرة بدرب سلطان خاصة بالدعارة، الحديث هنا عن حي بوسبير. فكيف عاشت النساء داخل هذا الحي؟ وماذا كن يلبسن؟ وكيف كن يتزين؟ ومن هم زبائنهن؟
كان الموقع الأصلي لبوسبير في المدينة القديمة بالدار البيضاء، قبل أن يتم تحويله عام 1923 إلى المدينة الجديدة بدرب السلطان، فقد تأسس الحي على أرض كانت في ملكية بروسبير فيريو الذي سمي الحي باسمه، وهكذا تحول بروسبير إلى بوسبير.
وصف هذا الحي بـ«العاصمة الفريدة للدعارة من حيث حجمها وتنظيمها». وبالرغم من أن بوسبير اعتبر جهازا حديثا للغاية، إلا أن هندسته لم تكن حديثة، إذ جسد في مخيال الزائرين «الحلم الاستشراقي»، وذلك بفضل الأسلوب المعماري النيو–موريسكي، الذي يذكر بديكور ألف ليلة وليلة، إذ صمم المهندس المعماري إدموند بريون الحي بطريقة تتناسب مع الذوق الاستشراقي لزوار المنطقة. ويظهر التأثير الآسيوي أيضا في التأثر بجزء من تصميم حي يوشيوارا الياباني الذي كان مخصصا للدعارة. وهكذا، اكتسب الحي شهرة واسعة. في المقابل، كان واقع بوسبير مرعبا عند آخرين.
جاء تنظيم بوسبير كمدينة تتمتع بحكمها الذاتي، إذ كان يحتوي على سينما، ومقاهي، وملاهي ليلية، وحمام، ومطاعم، وعدد من المحلات التجارية، ومركز للشرطة والدرك، ومستوصف طبي. عاشت بداخله ما بين 600 و900 امرأة، مسلمات ويهوديات وأجنبيات، كن يقدمن خدماتهن الجنسية لحوالي 1000 إلى 1500 زائر يوميا.
تم جلب النساء إلى بوسبير بعد القبض عليهن وهن يمارسن الدعارة بطرق غير قانونية وسط شوارع الدار البيضاء، أما أخريات فكن مدينات للوسيطة الملقبة بـ“مدام” التي استقدمتهن إلى الحي.. وفي ظل قوانين استعبادية، لم يكن يسمح لهن بالخروج إلا مرة واحدة في الأسبوع بعد الحصول على الموافقة من الشرطي والطبيب.
تتمة المقال تجدونها في العدد 98 من مجلتكم «زمان»