ما هي السياقات التاريخية التي جعلت من تارودانت عاصمة مركزية وفاعلة؟ وكيف أدت أدوارها السياسية والعسكرية والدينية؟ وما هي أسباب صعودها ثم تراجعها ضمن دينامية بناء الدولة السعدية؟
عرفت مدينة تارودانت، الواقعة في قلب سهل سوس، تحولات عميقة جعلتها تحتل موقعًا محوريا في تاريخ المغرب خلال القرن السادس عشر، خاصة بعد أن اختارها السعديون عاصمة لحركتهم الجهادية والسياسية، فقد تحوّلت من حاضرة تجارية وزراعية محلية إلى مركز للسلطة والقرار، وقاعدة عسكرية لمواجهة التهديد البرتغالي، ثم نواة لبناء الدولة المغربية الموحدة. قبل أن تكتسب مدينة تارودانت صفة العاصمة في عصر السعديين خلال القرن السادس عشر، كانت تشكل إحدى أهم الحواضر التاريخية في الجنوب المغربي، وتمثل مركزا حيويا في شبكة من التفاعلات التجارية والدينية والسياسية التي ميزت منطقة سوس، بل إن تاريخها البالغ الثراء هو ما كان سببا لاختيارها لاحقا عاصمة للدولة. يذكر عبد القادر زمامة، في بحثه، عن المدينة أن تارودانت كانت مأهولة منذ القرن العاشر الميلادي، وقد شكلت محطة بارزة في شبكة القوافل التجارية القادمة من السودان الغربي خصوصا من تمبكتو وغاو في اتجاه مراسي المحيط الأطلسي. وكان موقعها الجغرافي الواقع في قلب سهل سوس ووسط طريق القوافل الممتد من الصحراء إلى البحر، عاملاً حاسما في تحولها إلى مركز تجاري كبير، خاصة في تجارة الذهب والملح والعاج والنسيج. لم تكن لتارودانت أهمية اقتصادية فقط، بل قامت بأدوار سياسية وإدارية متقدمة في فترات الدول الإسلامية الكبرى التي تعاقبت على المغرب، من مرابطين وموحدين ومرينيين؛ فخلال عصر المرابطين، أُدرجت المدينة ضمن خطط التوسع الحضري، وتم تعيين ولاة عليها من مراكش لتدبير الشؤون القبلية لسوس. ومع الموحدين، تطورت وظائف المدينة لتشمل المجال القضائي والديني، وقد استقطبت العديد من العلماء والفقهاء من فاس ومراكش، فكل هذا التراكم الإداري والديني جعل منها مركزا له وزنه داخل الجنوب، وإن لم تكن حينها عاصمة.
محمد عبد الوهاب رفيقي
تتمة المقال تجدونها في العدد 139 من مجلتكم «زمان»