من هم ”الهورناتشيون “الذين أسسوا جمهوريتهم الخاصة على ضفاف أبي رقراق؟ وكيف تمكنوا من بسط سيطرتهم على المدينة وساحلها؟ وإلى أي مدى كان لهم تأثير على الملاحة والتجارة في المناطق التي وصل إليها نفوذهم؟ وكيف دبروا علاقتهم بالسلطة المركزية بالمغرب؟ ثم كيف كانت نهاية “الجمهورية” وعودة سلا لحظيرة السلطة الشريفية؟
تحولت ضفة أبي رقراق في إحدى الفترات التاريخية التي تلت سقوط الأندلس وتفكك الدولة المركزية بالمغرب إلى كيان سياسي مستقل سماه الأوربيون “جمهورية سلا“، أسسها المنفيون من الأندلس خصوصا من عرف منهم بـ“الهورناتشين“، والذين حولوا ساحل المدينة إلى قاعدة عسكرية بحرية متخصصة في الجهاد البحري، من وجهة نظرهم، وقرصنة من وجهة نظر أعدائهم، فشنوا حربا شاملة ومتواصلة على القوى الغربية، كما فرضوا قوانينهم الخاصة وسيطروا على مجال واسع من المحيط الأطلسي… بعد سقوط غرناطة آخر قلعة للمسلمين بشبه الجزيرة الإيبيرية سنة 1492م، وتوقيع أول مرسوم يقضي بطرد آلاف المسلمين واليهود من إسبانيا سنة 1502م، هبت أفواج من الأندلسيين على مدن المغرب خصوصا تطوان وفاس وسلا، كما أن هذا السقوط جعل إسبانيا والبرتغال، التي خضعت في زمن سابق للنفوذ المغربي، تعد عدتها للانتقام، وهكذا تمكنتا من احتلال عدد من الثغور المغربية، والاستيلاء على أغلب المدن الساحلية المهمة في أقل من ربع قرن باستثناء تطوان وسلا. أدى هذا التغير الصادم إلى تحول المغرب من قوة كبرى ومسيطرة إلى بلد محتل، مما أدى إلى إذكاء المشاعر الدينية والوطنية لدى كثير من المغاربة، فأصدر عدد من الفقهاء ورجال التصوف الفتاوى الداعية إلى الجهاد ضد “النصارى“ من أجل استرجاع الثغور المحتلة، وكان من أبرزهم الفقيه المتصوف محمد العياشي المتوفى عام 1641م، الذي استجاب لوصية شيخه عبد لله حسون المتوفى سنة 1604م والذي كان يوصف بأنه ولي صالح، حيث دعاه إلى الخروج إلى أزمور ليقيم بها قاعدة للجهاد، وذلك ما قام به حيث أعلن حربه على الإسبان والبرتغاليين على طول الساحلين الأطلسي والمتوسطي الممتد من أزمور حتى تطوان، ثم انتقل إلى سلا وأعلن إمارة مستقلة عن الحكم السعدي، حتى أصبح الدعاء في مساجد المنطقة يتم «للمجاهد الولي الصالح سيدي محمد العياشي» بدل السلطان السعدي زيدان الناصر.
محمد عبد الوهاب رفيقي
تتمة المقال تجدونها في العدد 138 من مجلتكم «زمان»