اشتركت الكثير من الثقافات في ظاهرة ”حب الغلمان”، كما يسميها ميشيل فوكو، سواء كانوا صبية أحرارا أم عبيدا .في أغلب تلك الثقافات كان الأمر مدانا أخلاقيا، مقبولا واقعيا، إلى أن ارتقت الحضارة والذوق الإنسانيان لإنكار هذه الظاهرة ومحاربتها.
حب الغلمان، هذه الصورة القبيحة، كما تبدو اليوم، من تجارب الأولين وتراثهم، أوضح تعبير عن فكرة كونية التاريخ الإنساني، ووحدته. فقد أضحت حماية الأطفال، ومحاربة الرق عموما، معايير كونية، ضمن معايير حقوق الإنسان وفلسفتها، متاحة للبشر أجمعين، ومقياسا للرقي والتحضر، تماما كما أن استغلال الصبية “الغلمان“ كان في الماضي عادة عابرة للثقافات والأزمنة.
يبدو أن التراث الغربي، بما يحتفظ به من مصادر الآداب الإغريقية والرومانية، يقدم صورة أشمل عن ظاهرة “حب الغلمان“، مما تحتفظ به المصادر الدالة على ثقافات أخرى مثل مصر الفرعونية أو بلاد الرافدين، أو الفرس …فقد طرح “حب الغلمان“ مشكلا فلسفيا عند الإغريق، ورثه عنهم الرومان، قبل أن يصير منكرا من ضمن المنكرات التي يجرمها النظام الأخلاقي المسيحي، وذلك استنادا على العرض الذي يخص به ميشيل فوكو، هذا الموضوع، في الجزء الأخير من ثلاثيته حول “تاريخ الجنسانية“، مستعيدا التعبير الأصيل الذي استعمله الأقدمون للدلالة على هذه الظاهرة، تحت مسمى “حب الغلمان“.
لا يعني هذا الاهتمام الفلسفي الإغريقي بموضوع حب الغلمان أن هذه العادة كانت أقل حضورا عند الثقافات الأخرى، وإن قلت الشواهد الدالة عليها. وقد حرص شاكر النابلسي، ضمن الجزء الثاني من مؤلفه حول “الجنسانية العربية” والمخصص لـ“متعة الولدان وحب الغلمان“، على استعراض جملة من المصادر المتنوعة التي تشهد على ورود هذه الظاهرة في ثقافات مشرقية، مرجحا أن يكون عرب شبه الجزيرة العربية قد ورثوها من ضمن ما ورثوه من احتكاكهم بالثقافات التي انفتحوا عليها عندما تأسست الامبراطورية الإسلامية، في القرون الوسطى.
إسماعيل بلاوعلي
تتمة المقال تجدونها في العدد 42 من مجلتكم «زمان»