في هذا الحوار، يكشف حميد تيتاو، الباحث في تاريخ المغرب خلال العصر الوسيط، أهمية الفترة المرينية «في فهم تشكل كثير من عناصر الشخصية المغربية»، وإسهامها في صياغة الهوية المجالية والسياسية للكيان المغربي كما نعرفها إلى اليوم. يكشف الأستاذ المتخصص في العصر المريني عن كثير من الامتدادات التي تربط بين الحاضر وزمن المرينيين، سواء تعلق الأمر بمرتكزات المخزن المريني وعلاقته بـ”خدامه “من النخب العسكرية أو الدينية أو السياسية، أو بحسم الاختيارات المذهبية والعقدية للمغاربة، وكذا بالتحولات الديموغرافية واللغوية والثقافية التي أفرزت المغرب المتنوع الذي نعرفه اليوم.
لو أردنا أن ننطلق من الحاضر، ما الذي يجعل التجربة المرينية حلقة أساسية في مسار تشكل هوية المجتمع والدولة بالمغرب؟
دعني أنوه في البداية أن ما سنطرحه هنا هو تأكيد وإبراز لنتائج حفريات باحثين متميزين أمثال الأستاذ محمد القبلي والعلامة محمد المنوني و“إرمان بيك“ وآخرين، وجميعهم أكدوا أهمية هذه الفترة في تشكل كثير من عناصر الهوية المغربية، وبعض مرتكزات نظام الحكم، وتجلي ملامح الخريطة الجيوسياسية لبلاد المغرب، والتي نعرفها إلى اليوم، وكذا في بداية تشكل واقع صعب بالنسبة لموقع المغرب ضمن المجال الغربي للبحر المتوسط. وتلك بعض من الامتدادات التي تربط بين الحاضر وزمن المرينيين، والتي جعلت المرحوم محمد المنوني يتحدث عن “استقرار كثير من أصول الهوية المغربية في الفترة المرينية“ .ودفعت الكاتب الصحفي محمد باهي حرمة إلى نسج مقالة له ضمن رسائل باريس وسمها بـ“المرينيون معاصرونا“. ومع ذلك، فمن واجبي التنويه أنني سأكتفي بالرصد، وصفا وتفسيرا وتحليلا، ويمكن للقارئ أن يربط بين الحاضر والماضي بما تسمح به سياقات التركيب وآلياته.
بداية، نريد أن نفهم السياقات العامة لظهور المرينيين، ومن أين قدموا؟
طيب، لنذكر بداية بالسياقات التي أفرزت الدولة التي عرفها المغرب خلال العصر الوسيط، ومنها حكم المرينيين؛ إذ يتعلق الأمر بتحول منتصف القرن 11م البارز الذي تشكلت فيه ملامح دولة مغربية مركزية ارتكزت على عصبية قبلية، ومشروعية دينية واجتماعية .وعلى هذا الأساس، تشكلت الدولة المرابطية بعصبية أمازيغية صنهاجية، وأساس إصلاحي استهدف التموقع داخل التيار السني المالكي، إلى جانب الدفاع عن الأندلس، وتأسست بعدها الدولة الموحدية بقوة عصبية مصمودية، وعبر مشروعية انتقائية معتمدة على توحيد اعتزالي مشرب بنظرية مهدوية شيعية. وعندما دب الوهن في جسد هذه الإمبراطورية، برزت قبائل بني مرين الزناتية مقدمة نفسها في البداية حامية للساكنة، قبل أن تصبح بحكم الأمر الواقع بديلا للدولة الموحدية.
حاوره غسان الكشوري
تتمة المقال تجدونها في العدد 132 من مجلتكم «زمان»