نال البعض، في مغرب العصر الوسيط، سلطة وجاها لقربهم من الحكم القائم أو من رجاله، وعاثوا في الأرض فسادا، بل عبثوا في دين الله كيفما شاؤوا، لكن دوام النعمة لم يكن دائما مضمونا.
اكتسب ذوو السلطة مكانتهم الاجتماعية من جهة ارتباطهم بالحكم القائم، فقد كان بعضهم في مقدمة المخاطبين في الرسائل الرسمية، وكانوا يحظون باستقبال السلطان وعنايته… مما أكسبهم نفوذا وسط المجتمع عرف بالجاه. وبواسطة الجاه، اكتسبوا الثروات. وتحصيل الثروة بواسطة الجاه سماه ابن خلدون بـ“الإمارة“ باعتبارها مذهبا غير طبيعي في المعاش.
أما كيف كان يتم ذلك؟ فقد شرحه بوضوح وتفصيل؛ ذلك أن «صاحب الجاه مخدوم بالأعمال يتقرب بها إليه في سبيل التزلف والحاجة إلى جاهه، فالناس معينون له بأعمالهم في جميع حاجاته من ضروري أو حاجي أو كمالي، فتحصل قيم تلك الأعمال كلها من كسبه، وجميع ما من شأنه أن يبذل فيه الأعواض من العمل يستعمل فيها الناس من غير عوض، فتتوفر قيم تلك الأعمال عليه، فهو بين قيم الأعمال يكسبها، وقيم أخرى تدعوه الضرورة إلى إخراجها فتتوفر عليه. والأعمال لصاحب الجاه كثيرة، فتفيد الغنى لأقرب وقت، ويزداد مع الأيام يسارا وثروة ولهذا المعنى كانت الإمارة أحد أسباب المعاش (…) رأينا من ذلك أعدادا في الأمصار والمدن». وهذا يفيد أن الجاه فتح المسالك لتحصيل الثروات باستثمار أعمال الآخرين. على أن الثروة التي كان تحصل لذوي الجاه لم يكن مصدرها هذا النوع من الاستثمار فقط، بل أيضا ما كانوا يحصلونه «بالظلم والقهر» في جمع الأموال من مكونات المجتمع الفاقدة للجاه، وكذا بفعل ما كانوا يحصلون عليه من أموال، إن لم نقل رشاوى، نظير قيامهم بالعديد من الأدوار الاجتماعية والسياسية، فحصَّلوا بذلك ثروات طائلة.
محمد ياسر الهلالي
تتمة المقال تجدونها في العدد 129 من مجلتكم «زمان»