أثارت الشخصية المبهمة لسيدي عبد الرحمان ”مول المجمر “الكثير من الجدل بين الناس، غير أن ضريحه حظي بتبجيل وتقدير عند العام والخاص، وقد أذكى من هذه الهالة ما كان يحتضنه من طقوس عجيبة وممارسات غريبة، وما اكتشف بمحيطه من آثار بشرية تعود إلى ما قبل التاريخ.
يظهر ضريح سيدي عبد الرحمان من بعيد وكأنه عائم فوق أمواج البحر، وخاصة في فترات المد، حيث تعزل المياه الجزيرة عن اليابسة، وذلك في الساحل الجنوبي لمدينة الدار البيضاء، على امتداد شاطئ “عين الدْياب“، ثاويا فوق مجموعة من الصخور المتراصة بعضها فوق البعض، حيث تبدو بناية الضريح من بعيد محاطة ببيوت مبنية من الحجر طليت جدرانها بالأبيض، هذا قبل إعادة التهيئة، تتوسطها قبة الضريح بلونها الأخضر، وقد ضمت إحدى غرفها الصغيرة جثمان الولي سيدي عبد الرحمان منذ زمن يستعصي ضبطه. تخللت حياة سيدي عبد الرحمان بن الجيلالي، الشهير عند البيضاويين بـ“مول المجمر“ أو “الجمار“، الكثير من الضبابية والغموض، شأن الكثير من أولياء المغرب، إذ لم يترجم له أحد من القدماء ضمن كتب المناقب، مما زاد من غموض هذه الشخصية وتناسل الروايات الشفهية حولها، مما أسهم بشكل كبير في اختلاط الحقيقة بالخيال والواقع بالأسطورة، فالبعض يشير إلى أنه قدم من بغداد، وأنه عاش خلال القرن 6هـ/ 12م، وأنه عاصر بعض أعلام التصوف البارزين بالمغرب في هذه الفترة؛ منهم أبو شعيب السارية والمولى عبد الله أمغار والشيخ عبد الجليل بن ويحلان وغيرهم. لقد تواتر بين المغاربة أن الرجل كان يهيم على وجهه على امتداد الساحل، بين “عين السبع“ و“عين الدْياب“، عابرا للغابات ذات الأشجار الكثيفة التي كانت هناك، متآلفا مع الحيوانات المستوطنة للمكان، وقد علق في ذاكرة الناس أنه كان يسيح في تجواله حافي القدمين، وقد تدلت خلفه ضفيرة من شعر رأسه، وهو يردد أذكاره وترانيمه الغامضة، كما اشتهر عن الرجل أنه كان يعزف على الناي، مما كان يؤنسه في وحدته طيلة اليوم الذي كان ينتظر نهايته ليتملى بلحظات غروب الشمس التي تحجبها مياه البحر رويدا رويدا.
عبد المالك ناصري
تتمة المقال تجدونها في العدد 133 من مجلتكم «زمان»