ما هي الإرهاصات والمظاهر الأولى للمتاحف بالمغرب؟ هنا، نتعرف على علاقة الإنسان القديم والحديث مع هذا المجال المرتبط بعدة حقول معرفية، والذي يعكس رغبة الأمم في إطالة عمر حضاراتها.
يستوجب الحديث عن التاريخ المبكر للمتاحف بالمغرب التذكير بما يرتبط به هذا المجال؛ فبالإضافة إلى كون المتحف، كما نعرفه اليوم، يبدو فضاء فنيا يعتمد على جمالية العرض، ويعكس تاريخا أنثروبولوجيا وسوسيولوجيا للمجتمعات والحضارات، إلا أنه يجب النظر كذلك إلى تاريخ المتاحف كونه يؤرخ لعلاقة الإنسان بما حوله من الأشياء، أي تثمينها. يقوم المتحف أساسا على فكرة الاحتفاظ بالأشياء واكتنازها إما لغايات فردية أو جماعية .وتورد الدراسات، حول الموضوع، أن جذور الاكتناز ترتبط بطقوس تعود إلى إيمان الإنسان بمعتقدات أسطورية تحول بعضها إلى معتقدات دينية. بمعنى آخر: كان الإنسان في بعض الحضارات القديمة يؤمن أنه باحتفاظه ببعض الأشياء ذات القيمة الرمزية، فإنها تعينه وتساعده عند انتقاله إلى العالم الآخر، أي ما بعد الموت، ولذا نجد في طقوس الدفن، عند بعض الحضارات، دفن الأشياء الثمينة مع الأشخاص، بالإضافة إلى تقنية حفظ الجثث (عملية التحنيط) .من جهة أخرى، فإن جمع الأشياء والاحتفاظ بها راجعان إلى اعتقاد الإنسان بأن تلك الأشياء تقيه وتعينه في علاقته مع الطبيعة والعالم الروحاني، منها جمعه لبعض قرون الحيوانات أو الحجارة وتخصيص أماكن معينة للاحتفاظ بها وممارسة الطقوس من خلالها؛ مثل المغارات أو في قمم الجبال وما إلى ذلك. كل هذه المعتقدات سادت قبل أن ينقل الإنسان تلك الأشياء إلى مسكنه، وقبل أن يخصص لها مكانا معينا. إن التأمل في هذه الأفعال، التي قام بها أسلافنا في الحضارات الغابرة، يوحي بأنهم مارسوا “المتحفية“ باحتفاظهم بأشيائهم “الثمينة والرمزية“، وذلك عندما فقدت تلك الأشياء قيمتها الاستعمالية، وأخذت معنى ما أثناء عملية البحث عنها والعناية بها، حسب ما يقول المؤرخ كرزيستوف بوميان في كتابه الضخم حول تاريخ المتاحف.
غسان الكشوري
تتمة المقال تجدونها في العدد 138 من مجلتكم «زمان»