تعتبر مالكة العاصمي من الأصوات المغربية التي مارست السياسة والكتابة مبكرا في زمن كان يهيمن عليه الذكور في الأدب والفكر والسياسة عموما. واستطاعت العاصمي أن تفرض نفسها منذ ستينات القرن الماضي بين زمرة الشعراء، فكانت اسما منفردا وقتئذ .ولم يكن تكوينها إلا استلهاما وتأسيسا متينا من تربيتها ونشأتها في بيت اشتهر بالعلم والمقاومة؛ فهي ابنة عالم المواقيت والرياضيات، الذي كان ذا مكانة عند الباشا الكلاوي، وانقلب عليه بعد خيانة الباشا للسلطان .في هذا الحوار، تحدثنا مالكة العاصمي عن تاريخ مراكش زمن الحماية العصيب، بالإضافة إلى مسارها في مجالي الكتابة والنشر في الصحف المغربية الرائدة، وكذلك عملها الجمعوي في الفترة الحالكة من سنوات الرصاص. كما تحدثنا عن رسالتها إلى الملك عن مغاربة إسرائيل.
بحكم مسارك الطويل في السياسة، هل ما تزالين تتابعين الشأن السياسي والحزبي، وما رأيك عنه بشكل عام؟
بالطبع، أعيش في غمار السياسة، ولا يمكنني إلا أن أفعل، كيف يمكن أن أغفل عما تعيشه بلادي وما تعيشه الأمة والعالم حتى لو كان السلام والأمن سائدين، فأحرى في وضع متفجر بمخاطر جمة وطنية وقومية على الأقل .الوضع منذر، يفترض ألا يسمح للمواطن العادي أن ينصرف إلى شأن آخر فأحرى للسياسي، وأعتبر أن كل مواطن في العالم بله في الوطن العربي وفي المغرب لا يتحمل، في حدود ما يمكنه فعله، مسؤولية ما ستؤول إليه الأوضاع وطنيا وعربيا على الأقل، وليس هناك من لا يمكنه فعل شيء أبدا، ما يمكن أن نفعله مهم ومفيد جدا مهما كان موقعنا أو عملنا محدودا.
انت ابنة عالم مواقيت ورياضيات، حدثينا عن والدك والأدوار التي اضطلع بها زمن الاستعمار؟
الوالد أصلا سليل أسرة مقاومة، ولد في خضم الثورات التي عرفتها مختلف الجهات لمواجهة الأطماع الاستعمارية في المغرب، وانخرط بقوة في الحياة السياسية منذ فتوته، لم ينفك يطور أدواته لتحرير البلاد عمليا بما فيها تعبئة عائلته الكبيرة ودمجها كاملة في العمل الوطني والمقاومة، وتعبئة المحيط الواسع الذي تقلب فيه من صناع وتجار ورجال أعمال وعلماء وغيرهم، وتكوين خلايا العمل الوطني والمقاومة، والنهوض بالأعمال والمسؤوليات التي تتطلبها المعركة، سواء تكوين قيادة بديلة لمواصلة المعركة وتطويرها كلما تعرضت القيادة للاعتقال، ومساندة من يحتاج للمساندة والدعم من المناضلين والأسر، وتهييء العرائض وجمع التوقيعات وغير ذلك كثير من أعمال المقاومة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى تميز بالتحكم في مجموعة علوم دقيقة كعلوم الرياضيات والفلك والهيئة والفيزياء والكيمياء والطاقة والعلوم الروحانية كأسرار الحروف، وعرف بكونه كان يمتلك الاسم الأعظم، وبكونه قطب زمانه. والقطبية هي المرتبة الأسمى في مراتب التصوف. لكنني لست مؤهلة للحديث في هذا الموضوع، فقد كان الوالد يمنعنا من الاقتراب أو التعامل مع أوراقه وأدواته وأعماله، ويقول أن ذلك خطر كبير علينا. كان عالما كبيرا صحح أعمال ابن البناء في رسالة نشرتها في الكتاب الذي أصدرته بعنوان “فقط من أجل التاريخ“. لست مؤهلة للحديث عن الوالد مع الأسف الشديد لكونه كان سرا من الأسرار، فلم نكن نعرف عنه سوى ما نراه ونعايشه، أو ما قد يرشح هنا أو هناك سيما عن بعض العلماء وبعض التقاة من أعوانه، وبعض الخلايا التي كانت تعمل معه أو تساعده. أما هو فلم يكن يتحدث بشيء أبدا عن نفسه أو عما يفعل.
حاورها غسان الكشوري
تتمة الحوار تجدونها في العدد 137 من مجلتكم «زمان»