تستلهم مدينة مولاي إدريس زرهون قداستها من ارتباطها بإدريس بن عبد الله الذي هرب من مكة بعد نشوب معركة بين العباسيين والعلويين، وقد زادها “موسمها” الديني تفردا.
تستغرق الرحلة بالسيارة من مكناسة الزيتون إلى مدينة مولاي إدريس زرهون، على امتداد حوالي 30 كيلومترا، ما يقرب من 45 دقيقة لمن رغب في السير بتمهل للتملي بالمناظر الرائعة للحقول المترامية، المزدانة بأشجار الزيتون التي أبت إلا أن تصطف على جوانب الطريق، وكأنها تستقبل مبتهجة العابر لتلك المنعرجات. تمضي اللحظات متسارعة مع مواصلة السير الحثيث، فتظهر فجأة البنايات المتراصة التي تزدحم مع بعضها في حميمية غير معتادة، خلال رحلة الذهاب يكون الصعود على المرتفع بما يحمله من دلالات الارتقاء في مدارج القداسة. أما عند العودة، فيكون النزول، وكأن المُغادر لذلك المكان يهبط من علياء السماء إلى الأرض. للمكان قداسة خاصة استلهمها من تاريخه الطويل الذي منحه كل شروط التبجيل والإجلال سواء من الأهالي المقيمين به، أو من الحاجين إليه من مختلف البقاع.
قد لا يعبر صغر حجم هذا التجمع السكني عن قوة تجذره في التاريخ، وكأنه يخفي أسراره ولا يُظهر منها إلا ما يبدو قائما من عمران.
تبدأ قصة هذا المكان عندما نزل إدريس بن عبد لله الكامل بوليلي قادما من المشرق، ناجيا بنفسه من معركة فخ التي نشبت بين العباسيين والعلويين، سنة 169 هـ/786م، بالقرب من مكة. وبعد سفر طويل مشوب بالخوف والحذر من ملاحقة الخصوم الذين أطلقوا العيون والجواسيس في كل مكان لتعقب الشريف الهارب. وصل إدريس إلى وليلي التي تبعد عن الموقع الحالي لمدينة زرهون بثلاثة كيلومترات، بعد عبور مصر والقيروان والتوقف قليلا بتلمسان ثم مواصلة السير نحو طنجة، ليحل ضيفا في نهاية الرحلة على قبيلة أوربة بجبل زرهون، فآواه شيخها إسحاق بن عبد الحميد الأوربي وأكرم وفادته، وأحاطه بما يستحق من التبجيل والإجلال، فاجتمعت عليه قبائل المنطقة، وعلى رأسهم قبيلة أوربة، وبايعوه على السمع والطاعة، فكان ذلك منطلقا لنشوء الإمارة الإدريسية التي التفت حولها جموع غفيرة، معلنة ولاءها لرجل من آل البيت النبوي، فتوالت الانتصارات وعظم أمر إدريس، مما أثار مخاوف هارون الرشيد العباسي الذي استشعر خطر الأمير الشريف على الخلافة. وبعد استشارة وزيره جعفر البرمكي في الأمر، قرر إرسال من ينهي أمره باغتياله غدرا، فاختار الخليفة أحد أدهى رجاله المعروف بسليمان بن جرير الشماخ لتنفيذ المهمة، فتحايل على الأمير إدريس ودس له السم في قارورة عطر أردته قتيلا، تاركا زوجته حاملا بابنه الذي سمي بعد ولادته على اسم أبيه وأكمل مشروعه السياسي.
عبد المالك ناصري
تتمة المقال تجدونها في العدد 125 من مجلتكم «زمان»