كيف كانت البيعة تقام بين الراعي والرعية؟ وكيف كان السلاطين المغاربة يشرفون على وفود الحج المتجهة لتأدية الشعائر المقدسة؟ وكيف كان هؤلاء السلاطين يحيون الأعياد الدينية ويحتفلون بها؟
منذ أن اختار المغاربة الحكم السلطاني بعد تقديم البيعة للمولى إدريس واختياره حاكما عليهم، والسلطان يزاوج بين وظيفتي الدين والدنيا، فهو المسؤول عن تدبير شؤونهم الدينية كما هو مسؤول عن تدبير حياتهم اليومية، وهو ما جعل السلاطين يحرصون على رعاية البعد الديني في الدولة، سواء من حيث المعاني والمضامين، أو من حيث الطقوس والمراسم والبروتوكولات، والتي كانت تتجلى في عدة مناسبات من أهمها طقوس البيعة ورحلات الحج والأعياد الدينية. لا زال المغاربة منذ تولي المولى إدريس للحكم بالمغرب يحتفظون ببيعة ملوكهم كلما حصل شغور على مستوى قمة السلطة، باعتبارها عقدا يبرم بين الملك والرعية، يتعهد فيه الملك بتولي شؤون الأمة ورعاية مصالحها، وتتعهد فيه الأمة بالسمع والطاعة، وهي بذلك تمنح السلطان مشروعية الحكم وتوثق للعلاقة بينه وبين أفراد شعبه.
ورغم أن البيعة قد عرفت في التاريخ منذ الصدر الأول للإسلام، وتلقاها الخلفاء والسلاطين والملوك والأمراء في مختلف الدول التي حكمت العالم الإسلامي، إلا أن البيعة في المغرب عرفت خصوصية بالغة الأهمية، وهي كونها موثقة بالكتابة، على عكس البيعات الأخرى التي كانت شفوية يمكن التنصل من الالتزام بها. وفي ذلك، يقول ابن أبي الضياف: «وتكون البيعة مكتوبة على شروط يعقدونها بينهم وبينه في أمور تتوفر عليها دواعي مصلحتهم العامة، والذي يقبل البيعة يشهد ذلك الملأ على التزام العمل بها، ويضع خطه على ذلك المكتوب مع شهادة العدول عليه بالتزامها، ويحلف بالله على ذلك؛ وعند ذلك يرفعون أصواتهم بالدعاء له بالنصر .وهذه هي البيعة الحقيقية عندهم، وبدونها لا يكون لها انعقاد، ويبقى ذلك الكتاب في ظرف محلى بمقام مولاي إدريس. فإذا حاد السلطان عنه اجتمعت الناس بمقام مولاي إدريس، وهذا الاجتماع طليعة الخلع، فإذا رجع رجعوا لطاعته وإلا أعلنوا بخلعه وتقديم غیره».
محمد عبد الوهاب رفيقي
تتمة المقال تجدونها في العدد 134 من مجلتكم «زمان»