يرجح بداية شد المغاربة الرحال إلى الشام مع وصول الإسلام إلى البلاد، ودخول عدد منهم في دين محمد طواعية، لكن هذا الترحال بدا أكثر وضوحا، ابتداء من القرن السادس الهجري حين دَوَّن الجغرافيون والرحالة المغاربة سفرهم.
يصعب تحديد زمن انتقال المغاربة إلى بلاد الشام وتحديدا إلى المجال الذي عرف بـ“سوريا“ خلال العصر الوسيط، وليس الحديث هنا عن التهجير الذي طال عددا من المغاربة زمن الأمويين، ولكن المقصود هو التنقل نحو تلك البلاد عن طيب خاطر، والمرجح أن ذلك تم منذ عهود مبكرة بعدما تمكن الإسلام من نفوس بعض المغاربة، وتاقوا إلى زيارة البقاع المقدسة في الحجاز والشام معا. وبات انتقال المغاربة إلى “سوريا“ أكثر وضوحا ابتداء من القرن 6هـ/12م وما بعده إثر كثرة نصوص الجغرافيا والرحلات التي ألفها المغاربة منذ هذه الحقبة، وإن كان غالبية المغاربة ممن زاروا “سوريا“ لم يدونوا انطباعاتهم عن هذا البلد. تضافرت العديد من الحوافز لانتقال المغاربة إلى “سوريا“، منها الطاردة والجاذبة؛ فأما الطاردة، يرجح جدا أنها ارتبطت بالأوضاع الأمنية والسياسية المضطربة التي كان يمر منها المغرب خلال فترات عديدة من تاريخه خلال العصر الوسيط من جراء الصراع على الحكم، لاسيما المراحل الانتقالية من حكم إلى آخر، التي اتسمت بقسوتها وطولها، أبرزها الانتقال من الحكم الموحدي إلى الحكم المريني الذي عمّر زهاء نصف قرن تقريبا. إضافة إلى الصراعات المذهبية التي عرفها المجال المغربي والمغاربي عموما أبرزها الصراع بين الشيعة وأهل السنة من جهة وبين هؤلاء الأخيرين والخوارج من جهة أخرى، ويبقى ما خلفه وصول الموحدين إلى الحكم، وسعيهم إلى فرض العقيدة التومرتية، والتضييق على المالكية أهم عامل يعتقد أنه شكل عنصرا طاردا لعدد من المغاربة نحو شرق بلاد المسلمين ومنها “سوريا“ .لم تكن الأوضاع الداخلية الطاردة وحدها من شكل حافزا للمغاربة للتوجه نحو “سوريا“، بل الأهم هي العوامل الجاذبة التي شجعتهم للتوجه إلى تلك البلاد، وفي مقدمتها أداء مناسك الحج وزيارة بيت المقدس حيث كان بعض المغاربة يقومون بزيارة قصيرة لـ“سوريا“ بتلك المناسبة.
محمد ياسر الهلالي
تتمة المقال تجدونها في العدد 136 من مجلتكم «زمان»