رغم البعد الجغرافي، تعتبر العلاقات بين المغرب وسوريا، الذين ينتميان معا إلى المجال المتوسطي، ضاربة في القدم، بل ”تعود إلى عصور ما قبل التاريخ”، كما يذكر بلال الداهية الباحث في التاريخ الإسلامي الحديث، مستندا إلى دراسات علمية أثبت ”وجود روابط بين قسم من المزارعين الأوائل في المغرب وبين مزارعي بلاد الشام”. ومع وصول الإسلام إلى المغرب، وصل معه رجال من الشام، وحين اعتنق عدد من المغاربة دين محمد، جذبتهم زيارة مكة والمدينة إلى زيارة المسجد الأقصى أيضا، ومنهم من اختار البقاء هنالك. منذئذ، استمر الترحال في الاتجاهين إلى يوم الناس هذا. في هذا الملف، الذي تقترحه عليكم مجلة ”زمان”، تقرؤون عن المغاربة الذين انتقلوا إلى الشام، أو الجزء المعروف فيه باسم سوريا، ومنهم من جغرافيون ورحالة، وأيضا عن المغاربة الذين هبوا للمشاركة في معركة حطين لاسترجاع القدس، وعن آخرين شاركوا في إيقاف حملة نابوليون بونابارت على سوريا… كما تقرؤون عن الإسلاميين المغاربة الذين سارعوا إلى الذهاب إلى هناك لمشاركة “إخوانهم “في الثورة ضد نظام بشار الأسد.
يصعب تحديد زمن انتقال المغاربة إلى بلاد الشام وتحديدا إلى المجال الذي عرف بـ“سوريا“ خلال العصر الوسيط، وليس الحديث هنا عن التهجير الذي طال عددا من المغاربة زمن الأمويين، ولكن المقصود هو التنقل نحو تلك البلاد عن طيب خاطر، والمرجح أن ذلك تم منذ عهود مبكرة بعدما تمكن الإسلام من نفوس بعض المغاربة، وتاقوا إلى زيارة البقاع المقدسة في الحجاز والشام معا. وبات انتقال المغاربة إلى “سوريا“ أكثر وضوحا ابتداء من القرن 6هـ/12م وما بعده إثر كثرة نصوص الجغرافيا والرحلات التي ألفها المغاربة منذ هذه الحقبة، وإن كان غالبية المغاربة ممن زاروا “سوريا“ لم يدونوا انطباعاتهم عن هذا البلد. تضافرت العديد من الحوافز لانتقال المغاربة إلى “سوريا“، منها الطاردة والجاذبة؛ فأما الطاردة، يرجح جدا أنها ارتبطت بالأوضاع الأمنية والسياسية المضطربة التي كان يمر منها المغرب خلال فترات عديدة من تاريخه خلال العصر الوسيط من جراء الصراع على الحكم، لاسيما المراحل الانتقالية من حكم إلى آخر، التي اتسمت بقسوتها وطولها، أبرزها الانتقال من الحكم الموحدي إلى الحكم المريني الذي عمّر زهاء نصف قرن تقريبا .إضافة إلى الصراعات المذهبية التي عرفها المجال المغربي والمغاربي عموما أبرزها الصراع بين الشيعة وأهل السنة من جهة وبين هؤلاء الأخيرين والخوارج من جهة أخرى، ويبقى ما خلفه وصول الموحدين إلى الحكم، وسعيهم إلى فرض العقيدة التومرتية، والتضييق على المالكية أهم عامل يعتقد أنه شكل عنصرا طاردا لعدد من المغاربة نحو شرق بلاد المسلمين ومنها “سوريا“.
هيئة التحرير
تتمة المقال تجدونها في العدد 136 من مجلتكم «زمان»