نشأ أنيس بلافريج في كنف الحركة الوطنية، التي كان والده أحمد، من أبرز قادتها. قبل أن يشق مساره السياسي الخاص، ويطاله القمع الذي ميز سنوات الرصاص. لم يعش أنيس الأحداث التي شارك والده في صنعها، لكنه يحتفظ في ذاكرته بما سمعه منه بخصوصها. في ما يلي جوانب من ذاكرة أحمد بلافريج، كما يرويها نجله.
ماذا تعرف عن الدوافع التي جعلت والدك، أحمد بلافريج، ينخرط في الحركة الوطنية؟
نشأ أحمد بلافريج في وسط عائلي ميسور. كان يتيم الأب والأم منذ سن 12 سنة، فتولاه خاله محمد جسوس، وكان من عائلة ميسورة لها مكانة في الرباط. حرص على توفير كافة الإمكانيات لتمكينه من التمتع بأحسن تعليم. فكان تكوينه مزدوجا، إذ درس في جامعة القاهرة كما في جامعة السوربون بباريس.
من خلال مجموعة من كتاباته الأدبية، يظهر أنه كان له اهتمام مبكر بالقضايا الوطنية، وقضية كارثة طرد المسلمين من الأندلس، وعائلتنا لها جذور أندلسية. كان واعيا طبعا بالظلم والنهب الاستعماري الذي تتعرض له بلاده، لكن أكثر ما أثر فيه آنذاك هو هزيمة ثورة الريف. كان سنه لا يتعدى 17 أو 18 سنة حين وقعت هزيمة الخطابي، وقد حكى لي أن الهزيمة كانت صدمة كبيرة بالنسبة إليه، كما بالنسبة للعديد من شباب جيله الذين كانوا يتتبعون أخبار ثورة الريف ويعقدون عليها آمالا عريضة لتحرير البلاد.
كان يعتبر ثورة الخطابي ثورة وطنية ضد الاستعمار، وليس ثورة ريفية محلية؟
حسب ما حكى لي والدي، كان شباب الرباط المتنورون يعتبرونها ثورة وطنية تحريرية. يعرفون أن الأمر يتعلق بحرب ضارية يشنها الجيشان الفرنسي والاسباني على جيش الخطابي، وأنها وصلت حتى أبواب فاس. رغم أن الفرنسيين كانوا يحاولون إظهار الأمر وكأنه تمرد محلي معزول.
هنالك أطروحة تقول بوجود تمايز بين بعض المتحدرين من الأصول الموريسكية، مثل والدك، والمتحدرين من مناطق أو أصول ثقافية أخرى. لم يكن مثل هذا التمايز حاضرا في موقف والدك من ثورة الخطابي؟
تحدثت معه مرارا في هذا الموضوع. كان واعيا بأصوله الموريسكية لكن وعيه بانتمائه الوطني كان عميقا. كان يقول إن الشعب المغربي جله بربري، والعرب القادمون من الشرق قلة، والجيش البربري هو الذي فتح الأندلس. وامتزج البربر بالموريسكوس وبالعرب.
الاستعمار هو الذي كان يسعى لتقسيم المغاربة على هذا الأساس، خاصة عندما صدر الظهير البربري سنة 1930، على أساس أن هناك «عنصرا» بربريا كما سموه، يجب إبعاده عن التأثير العربي الإسلامي ودمجه في الثقافة الفرنسية المسيحية.
كانت الوضعية المادية التي نشأ فيها والدك ميسورة. ألم تتضرر مصالح العائلة في زمن الاستعمار؟
كانت لخاله أملاك في الرباط، لكن مصالحه الاقتصادية كانت كما هو شأن سائرالمغاربة خاضعة بدون شك للبطش الاستعماري. وكان نهب خيرات البلاد من أسباب الوعي الوطني عند والدي، وكذلك وعيه بالظلم والاضطهاد الذين يمارسهما الاستعمار ضد المغاربة قاطبة، وسيطرته على جميع وسائل القرارات التي تحدد مصير البلاد.
حاوره إسماعيل بلاوعلي
تتمة الحوار تجدونها في العدد 28من مجلتكم «زمان»