في وقت لم يكن فيه مسموحا الاختلاط بين الجنسين، اضطلعت الخاطبات بدور، داخل مجتمع منغلق، في اقتران الشباب برفيقة العمر.
إذا كان الراغبون في اللقاء من الجنسين في يوم الناس هذا، لا يجدون أي صعوبة أو تعقيدات للالتقاء حتى لو باعدت بينهم المسافات، فإن ذلك كان في الماضي أمرا صعبا جدا ولم يكن ليتم دون وساطات، حتى لو كان يتعلق الأمر بجيران لهم أسطح ونوافذ وجدران مشتركة. ولهذا، وجدت الخاطبة كساعي بريد يحمل رسائل شفوية من طرف إلى طرف، كنوع من التحايل على قواعد وأعراف مجتمع كان يرى المرأة مناقضة للرجل، ويعتبر من غير المقبول أن يحدث اللقاء المباشر بين الجنسين. هكذا، إذن، كانت الخطابات وسيلة فعالة للتواصل داخل مجتمع مغربي مغلق. أما اليوم فقد اختلف الحال.
في الماضي وحتى سنوات قريبة، كان المرور عبر الخطابات أمرا لا مفر منه بالنسبة إلى الجنسين، بحيث كان ينظر إلى أي علاقة تعارف أو مودة وحب بينهما من دون وسطاء على أنها أمر معيب، وتكون الخطابات، عادة، أرامل أو نساء متقدمات في السن ووحيدات ومعروفات بجديتهن ووقارهن.
وللخاطبات دوما زمام المبادرة، فهن حارسات لتقليد ضروري وأساسي. وكاهنات لطقوس هذا الارتباط، وتعتبر شهادتهن في العرف بمثابة شهادة العدول. إن عمل الخاطبة يشبه عمل الناقد الأدبي، الذي يقوم بدور الوسيط بين النص والقارئ.
الجذور التاريخية
ليست جذورهن التاريخية قديمة جدا، على الأقل في هذه الدور الذي يقمن به، أي التحضير لعملية الخطبة، فليون الإفريقي تحدث عن نساء محيطات بالعروس، لكن دورهن كان ينحصر في تزيين العروس وتحضيرها ليوم الزواج.
نجهل في أي فترة بالضبط ظهرت الخطابات، ومتى بدأن يمارسن هذا الدور المهم، لكن يمكن الافتراض أنهن ظهرن أول مرة في القرن السابع عشر أو الثامن عشر، كما يدفع بذلك روجي لوتورنو في كتاباته، أي في الوقت الذي أصبح فيه العبيد يتكاثرون في المغرب. فإلى حدود بداية القرن العشرين، كانت معظم الخطابات من العبدات اللائي تحررن لاحقا.
خلال هذه الفترة، كانت الخطابات أشبه بمؤسسة تديرها “أمينة” بشكل مماثل لزعماء المؤسسات الذكورية، وتتخذ دور الوسيط في حال نشوب خلاف بين الخطابات وزبنائها. وتكون “الأمينة” عادة سيدة مسنة ومحترمة.
تتمة الملف تجدونها في العدد 62 من مجلتكم «زمان»