نسج نظام القضاء في الدول المركزية المغربية بدءا بالمرابطين على منوال النموذج الأندلسي الذي تبلور مع الأمويين، حيث النظام المحكم الذي يفصل بين السلطتين “الإدارية” والقضائية، رغم ما شاب هذا الفصل من تشويش في سياقات تاريخية عديدة.
القضاء هو «إخبار عن حكم شرعي على سبيل الإلزام» لاسيما في المجالات التي يهيمن عليها الشرع الإسلامي. وهو، وفق ابن خلدون، «الفصل بين الناس في الخصومات حسما للتداعي وقطعا للتنازع». وعليه، كان للقضاء مكانة عظيمة لدوره في استتباب الأمن في المجتمع من جهة، ودعم شرعية الحكم من جهة أخرى.
القضاة: مواصفات وأصول
شكلت الكفاءة العلمية العالية للفقيه في العلوم الشرعية أحد أهم أسس تولي منصب القضاء زمن الدول المركزية المغربية خلال العصر الوسيط. لهذا، التفت هذه الدول، وهي تبحث عن من يتولى هذا المنصب، إلى المنتسبين إلى البيوتات العلمية العريقة التي اشتهر بعضها بتوارث أفرادها للمناصب القضائية.
التزم القضاة في الدولتين المرابطية والمرينية بالمذهب المالكي، الذي لم يغب مع الموحدين وإن حضر المذهب الظاهري وتعاليم المهدي بن تومرت معهم. لهذا، كان بعض القضاة خلال العصر الموحدي، ولاسيما مع عبد المؤمن، منتسبين إلى هيأتي الحفاظ وطلبة الحضر، المتمكنين من العلوم الشرعية وتعاليم المهدي بن تومرت في الآن ذاته. ويرجح أن التعيين في سلك القضاء، كان في العديد من الحالات مسبوقا بتدرج المعني بالمنصب في بعض الخطط الدينية.
لم يكن الأصل المغربي أو الانحدار من العصبية الحاكمة شرطا في تولي القضاء في المغرب خلال عصر الدول المركزية، إذ تولى عدد من الأندلسيين ومنتسبون إلى المغربين الأوسط والأدنى مناصب قضائية مختلفة في المغرب الأقصى، بل تولى أحد المصريين قضاء عدة مدن في المغارب ومنها مدينة فاس خلال عهد يعقوب المنصور الموحدي.
محمد ياسر الهلالي
تتمة الملف تجدونها في العدد 73 من مجلتكم «زمان»، نونبر 2019