جذبت حمرية، لموقعها وخيراتها، الناس والدول منذ القديم. فقد سميت في عهد ابن تومرت الموحدي بـ”الكدية البيضاء”، وأغرت جاذبيتها المولى إسماعيل العلوي، قبل أن تتحول مع الفرنسيين إلى قلب مكناس النابض.
ما يعرف اليوم بمدينة أو حي حمرية بمكناس كان عبارة عن أرض خصبة في الجهة الشرقية من المدينة العتيقة، يخترقها واد بوفكران التي أراقت مياهه الكثير من الدماء في ثلاثينات القرن العشرين خلال فترة الحماية الفرنسية، ويعبرها أيضا واد ويسلان. كان لهذين الرافدين فضل كبير في قيام تجمعات سكنية متفرقة هنا وهناك منذ فترات موغلة في القدم، قبل أن تلتئم مع بعضها وتشكل النسيج العمراني الذي أضحت عليه مكناسة الزيتون فيما بعد. وقد شهدت أرض حمرية وقائع وأحداث كان لها أثرها الكبير في مسار تاريخ المغرب، ومر بها أعلام وأشخاص تركوا بصماتهم في منعرجات هذا التاريخ.
أسماء تحكم فيها الزمن
يحتفظ مكان حمرية بذاكرة مفعمة بفصول لا ينضب معينها. ففي المرحلة التي سبقت العهد الإسماعيلي، لم تكن أرض حمرية تُعرف بهذا الاسم، حيث وجدنا لها توصيفات غير التي أضحت عليها. ففي الفترة الوسيطية، كانت عبارة عن «بحائر عظيمة في نهاية من الاتساع»، غُرست بها الزياتين والكروم، دون الإشارة إلى اسم اختُصت به، كما أشار البيذق في أخباره عن المهدي بن تومرت أنها كانت تُعرف آنذاك بالكدية البيضاء، بها خضروات وكتان، «تكترى بمال جسيم». وقد اتسعت في العصر الموحدي بحائرها وغراساتها من الزيتون زمن محمد بن عبد لله بن وجاج. ومع نهاية الفترة الوسيطية، وصف ابن غازي في “روضه” غراساتها المترامية دون أن يشير إلى ما يحيل على اسمها الحالي “حمرية”.
عبد المالك ناصري
تتمة المقال تجدونها في العدد 80 من مجلتكم «زمان»