افتقد المغرب، طيلة قرون، لسياسة اقتصادية واضحة واعترى النظام المالي خلل بنيوي، ولم تعرف البلاد مفهوم الميزانية إلا مع إدارة الحماية الفرنسية.
قبل أن تعمل إدارة الحماية الفرنسية على تنظيم مالية المغرب، وتدخل مفهوم الميزانية للتداول والاستعمال، على غرار سعيها لتحديث قطاعات أخرى، لم يعمد فقهاء الوقت، باعتبارهم أهل الحل والعقد، أو على الأقل جزء من هذه التركيبة، على إنجاز توقعات بشأن مداخيل بيت المال أو تتبع ورصد أوجه صرف هذه المداخيل، اللهم ما كان من فتاواهم وآرائهم بشأن ما استجد من محدثات جبائية، خاصة المكوس، أو وسق أو اقتناء بعض البضائع في إطار المتاجرة مع «بلاد النصارى». كما أن المخزن المغربي افتقد بدوره، ليس إلى تنظيم مالي عصري فقط، بل إلى سياسة اقتصادية واضحة، كما يذهب إلى ذلك الباحث الفرنسي نيكولا ميشال. فأغلب مداخيله كانت من الإيرادات الجبائية والجمركية بمختلف أنواعها ، ومن التجارة، التي وظف فيها السلطان أموال المخزن المستخلصة، عبر فئة من التجار عرفت باسم «تجار السلطان»، قصد الرواج وتنمية الأرباح خاصة مع نظام الاحتكارات والكونطرادات. لكن متغيري المعاهدة المغربية البريطانية لسنة 1856 وحرب تطوان وما أعقبها من غرامة وقرض، عملا على خلخلة ذلك التوازن الهش، وكانت النتيجة إعلان السلطان محمد بن عبد الرحمان سنة 1861: «إنا دفعنا ما كان عندنا ببيت المال هنا بفاس وما كان ببيت مال مراكش حتى لم يبق تحت يدنا إلا ما نقضي به حاجة مع الجيش، إذ لا يمكن صبرهم على الخدمة بالجوع والعري، ومع ذلك فهو قليل لا يقنعون به».
الطيب بياض
تتمة المقال تجدونها في العدد 34-35 من مجلتكم «زمان»