كانت الجزائر لعقود طويلة ملاذا للريفيين المغاربة، حيث هاجر الآلاف من ساكنة الريف إما عن طريق البر أو عبر المراكب (فلوكات)، أملا في تحسين ظروف عيشهم.
تشير الدراسات حول العلاقات التاريخية بين المغرب وجيرانه أن هجرة أهل الريف إلى الجزائر تعود إلى بداية القرن التاسع عشر، حيث انتقلوا للاشتغال في ضيعات المعمرين الفرنسيين. في هذا الصدد، ذكر الرحالة الفرنسي هنري دوفيريHenri Duveyrier ، في كتابه “الجزء الأخير المجهول من الساحل”، قائلا: “في 18 نوفمبر من سنة 1852 استولى الاسبان على مركب للسلع في ملكية القلعيين، كان في اتجاه وهران، حيث يذهب عمال هذه القبيلة لكراء سواعدهم إلى المعمرين خلال فترة الحصاد”.
كما نقل الكاتبBossard ما سجله Basset، أنه في نهاية القرن التاسع عشر “كانت توجد بأرزيو بالجزائر قبيلة بطيوية كان بها 1200 ساكن من أصل ريفي، وبالضبط من قبيلة سعيد المجاورة لقبيلة تمسامان، والتي يحتمل أنها هاجرت خلال القرن الثامن عشر”.
أما أوجست مولييراس Moulièras، فقد أشار من جهته، في كتابه “المغرب المجهول”، متحدثا عن الريفيين بالجزائر: “يمكن أن تراهم كل سنة بعمالتنا خلال موسم الحصاد أو جني الكروم، وكانت وهران تستقبل أكثر من 20 ألف مهاجر، قادمين للبحث عن العمل لدى المعمرين وبحثا عن هذا المعدن الثمين النادر في الريف”.
يفصّل الباحث مراد جدي في دراسته حول الموضوع (هجرة الريفيين المغاربة نحو الجزائر)، ويذكر أن الخط البحري الرابط بين مليلية ووهران ساعد على زيادة ملحوظة ملحوظة في تدفق المهاجرين منذ 1855، وذلك بالرغم من الحظر الذي فرضته فرنسا خلال حرب تطوان (1959) على القادمين من هذا المحور، وعادت لتسمح به مع وصول نابليون الثالث إلى حكم فرنسا.. وفي سنة 1866 كانت اليد العاملة من ريف المغرب متوافرة في وهران.
توالت الهجرات نحو الجزائر بأعداد كبيرة مع مطلع القرن العشرين، إذ بلغت في سنة 1911 حوالي 19 ألف مهاجر. ورغم انخفاضها في فترة الحرب الريفية، إلا أن العدد سيرتفع في مستهل الثلاثينات، إذ تشير الأرقام أن عدد المهاجرين الريفيين المغاربة إلى وهران عن طريق البر وصل إلى أزيد من 82 ألف مهاجر، وحوالي 32 ألف مهاجر عبر طريق البحر. هنا تجدر الإشارة إلى دراسة الباحث محمد أحميان حول الهجرة عن طريق البحر في مجلة “إنسانيات” الجزائرية.
يخلص الباحث مراد جدي في دراسته، أن الريفيين كانوا كلما عصفت بالمغرب أزمة اقتصادية أو حرب ضروس أو أوضاع صعبة، كان أهله يضطرون إلى الهجرة إلى الجزائر لتحسين معيشتهم.