يحفل التاريخ الإنساني، في الشرق أو الغرب، بقصص عن عباقرة ومفكرين، وأيضا، رجال دين وجدوا أنفسهم تحت المقصلة أو المشنقة باسم هذا الدين أو ذاك.
لكل عقيدة حراسها ومدافعون عنها، منهم من أوكلت إليهم هذه المهمة بشكل رسمي، ومنهم من اندفع إليها بشكل شخصي، وبحماسة “الغيورين” على الدين. وباسم الدين، ارتكب هؤلاء وأولئك تجاوزات كثيرة، وصلت حد سفك الدماء، وقتل المختلفين في الرأي من داخل نفس المعتقد، قبل الإجهاز على الخصوم المختلفين عنهم في العقيدة. كل ذلك من منطلق فهمهم الخاص، وتأويلهم الأحادي للنصوص الدينية. ساقت هذا العملية في ركابها عباقرة ومفكرين وعلماء ورجال دين كثر إلى المقصلة، بدعوى أنهم حادوا عن طريق الصواب.
يحفل تاريخ الإنسانية بنماذج عديدة عن ضحايا العنف باسم العقيدة، وتتفاوت التجارب البشرية في ذلك بين الحروب الدينية (المقدسة)، وحملات التطهير الديني، والتصفيات الفردية للمصنفين في دائرة “المارقين”.
في كل عقيدة، مساحة واسعة من الدعوة للتسامح والتعايش وقبول الآخر، وحتى دعوته إلى سبيل لله بالتي هي أحسن.
في المقابل، هناك نصوص تدعو إلى استعمال العنف توخيا للضبط أو للدفاع عن النفس، أو لدواعي أخرى مرتبطة بأسباب النزول. غير أن التأويل البشري كثيرا ما يعمد، في حالة جموح أو نكوص، إلى استبعاد قيم التسامح في الأديان، واستحضار كل ما يحرض على العنف والقتل، منزوعا عن السياق التاريخي الذي أفرزه، ودون الانتباه إلى أسباب النزول. هذا التعامل الانتقائي مع النصوص، ونزعها من الظرفية التي أفرزتها، سمح باستعمالها من طرف كل من توسم في نفسه حمية وغيرة دينية، فيما بدا له وازعا وواجبا دينيا، بمسميات مختلفة (حرب مقدسة/ جهاد…). الغرب والشرق في هذا الأمر سيان، وقد مر على الناس زمن من الدهر جثمت فيه الكنيسة على الأنفاس، وباسمها أُحرقت الكتب وتعرض المختلفون في الرأي للسحل والقتل. وبتهمة البدعة والخروج على الجماعة وشق صف المسلمين، امتحن الكثيرون، وظهر للحكام، بإيعاز من الفقهاء، أن رؤوسا قد أينعت وحان وقت قطافها.
صار هذا الوضع اليوم ضاغطا أكثر، بعد صعود تيارات دينية متشددة تزعم الجهاد في سبيل لله باسم الإسلام. “أبدعت وتفننت” في ابتكار أساليب جديدة في القتل، تقشعر لها الأبدان ( إحراق الضحايا أحياء داخل أقفاص، الرمي من بنايات شاهقة، أكل الأحشاء…). هذه المشاهد التي حملتها وسائل الإعلام والتواصل إلى مختلف أرجاء المعمور، خلقت حالة من الالتباس، قادت بالنسبة للبعض إلى إحداث نوع من الربط بين الإسلام والإرهاب.
تقترح مجلة “زمان” على قرائها عودة إلى جذور هذه الظاهرة، في محاولة لسبر أغوارها، عبر إماطة اللثام عن معطى العنف في مختلف الأديان، والعودة إلى النصوص الدينية في الإسلام ذات الصلة بالموضوع، والتطرق للكيفية التي تجري بها عملية تحميلها ما لا تحتمل، وشحنها بهواجس الحاضر، لشرعنة الإرهاب باسم الإسلام. قبل الوقوف عند تجارب مغربية في الموضوع، سواء في تاريخه البعيد أو القريب، الذي لم يعدم وجود نماذج وتجارب، اتكأت على الإسلام لتبرير القتل حينا والتكفير والتحريم أحيانا أخرى.
تنسيق الطيب بياض
تتمة الملف⊇تجدونها في العدد 27من مجلتكم «زمان»