يذكر المؤرخ والكاتب اللبناني فواز طرابلسي، بأن فشل مشروع حلول العامية محل العربية الفصحى في لبنان، أنتج العربية الوسطى ما يمكن أن يكون مفيدا بالنسبة للنقاش الدائر في المغرب حول هذا الموضوع. في ما يلي نص حوار خص به الطرابلسي مجلة ”زمان”، وتطرق أيضا لرؤيته بخصوص انتفاضات 2011في العالم العربي.
يجري حاليا في المغرب نقاش حول مكانة الدارجة بالمقارنة مع العربية الفصحى، عشتم نقاشا مماثلا في لبنان. حدثنا عن هذه التجربة.
ظهرت أول محاولات كتابة الدارجة في لبنان بالحرف اللاتيني في الثلاثينات من القرن الماضي. كان هناك مشروع لإنتاج لغة سميت «لبنانية»، قوامها الدارجة اللبنانية مكتوبة بالحرف اللاتيني، وذلك استلهاما للتجربة التركية. الطريف أن الداعية لهذه اللغة كان شاعرا كبيرا بالفصحى، وهو سعيد عقل. كان مبدعا بالفصحى بصورة مدهشة. كل ما أثمر هذا المشروع أن سعيد عقل أصدر ديوانا شعريا باللغة العامية مكتوبة بالحرف اللاتيني، مع تعديلات على هذا الحرف للتعبير عن بعض الأصوات غير الموجودة في اللاتينية. عدا ذلك انتهى المشروع عند هذا الحد. لكن ذلك لا يمنع أن هذه المحاولة أثارت نقاشا مهما، خلال تلك الفترة، حول اللغة العربية والعامية.
هل كانت الفرضية التي بني عليها هذا المشروع ترتبط بإشكالية بناء هوية وطنية موحدة، أم بافتراض أن الفصحى قد تكون سببا لتعثر التحديث ويجب بالتالي التخلي عنها؟
لم يكن هناك إشكال عنوانه «مواجهة التخلف»، لأن العامية نفسها غير متقدمة على الفصحى. الموضوع كان مرتبطا بنزعة قومية خجولة ومتعالية في نفس الوقت. كانت هناك قومية لبنانية على أساس أن لبنان متوسطي، وإن لم تكن لغته الأم الفرنسية، فلتكن العامية مكتوبة بالحرف اللاتيني. وهذا سيجعله متميزا عما كان يسمى وقتها بـ«الصحراء»، أي باقي العرب. كان يعبر عن هذا التوجه مجموعة من الكتاب في مجلة «المجلة الفينقية». جميعهم كانوا فرانكفونيين ما عدا سعيد عقل. فكرة تميز القومية اللبنانية كما عبر عنها هذا التيار، كانت تشمل كذلك الجانب الديني، على أساس فرضية أن المشرق كان مسيحيا، وأن العرب غزاة باسم الدين وفرضوا اللغة العربية فرضا على اللبنانيين. فشل المشروع، لكنه أثمر نقاشا إيجابيا. فقد ذهب الكثير من النقاد، من المدافعين عن العربية الفصحى، إلى التذكير بأن العامية هي عربية فصيحة في الأصل.
حاوره إسماعيل بلاوعلي
تتمة الحوار تجدونها في العدد 3 من مجلتكم «زمان»