مرت علاقة السلطة السياسية بالشرفاء بفترات حرجة. كتلك التي عرفها المغرب سنة 1820، حين تمرد الأعيان في مدينة فاس ضد السلطان مولاي سليمان الذي أصبح في موقف ضعيف، ولكنه سمح بالمقابل بظهور بورجوازية جديدة.
أدت هزيمة مولاي سليمان أمام قبائل أيت أومالو الأمازيغية إلى إضعاف سلطة المخزن، كما أن المجاعة التي عرفها المغرب، حينئذ، زادت من حدة الاضطرابات إلى درجة أن الثورات تجاوزت كل الحدود وأصبح الشر الناتج عنها معمما، يكتب الناصري، الذي يعتبر أبرز مؤرخ مغربي في القرن التاسع عشر.
وعرفت العاصمة الروحية، وقتئذ، سلسلة من عمليات نهب ارتكبتها فرقة من جيش المخزن، في وقت بدأت الإمبراطورية الشريفة تغرق في مستنقع الفوضى، مما جعل الناس تشير إلى مولاي سليمان بأصابع الاتهام، وتتساءل إن كان لا يزال قادرا على حكم البلاد؟ وكان السؤال يفرض نفسه مع استمرار السلطان في تكبد الخسائر العسكرية، بدءا من عام 1819، حين فشل في إخماد تمرد اندلع في الأطلس المتوسط، وقاده تحالف قبائل صنهاجة وزمور وزناتة. بل إن عددا كبيرا من جيشه قتل في المعركة، وكان من بين الضحايا نجله مولاي إبراهيم، فيما تعرض السلطان نفسه للأسر ثلاثة أيام، قبل أن يطلق سراحه، حين تعرف عليه أعيان القبائل وعاملوه بما يليق به.
غير أن أخبار الهزيمة ومقتل الأمير وأسر السلطان انتشرت بسرعة البرق في مجموع البلاد. واعتبر الحدث كأنه كارثة وطنية، خاصة في فاس.
في الواقع، مثل هذا المنعرج بداية لتفكك الدولة، وبداية النهاية لمولاي سليمان. في ظل تلك الأوضاع، اضطر مولاي سليمان التوجه إلى مراكش متنكرا، بينما كان أهل فاس يتطلعون إلى استعادة النظام والأمن. غير أن الجواب الذي تلقوه زاد من إرباكهم. ففي رسالة موجهة إلى الفاسيين وتلاها ابنه مولاي علي الذي عين على المدينة، اعترف السلطان بعجزه، واقترح التماس الحماية من الحلفاء ضمن القبائل الأمازيغية. لم ترد كلمة “تنازل” أبدا في الرسالة، غير أن التلميحات كانت واضحة، ثم بدأ الشك يستقر في العقول.
يونس المسعودي
تتمة المقال تجدونها في العدد 80 من مجلتكم «زمان»