يمكن القول إن لا أحد ممن عرف أحمد السطاتي، عن قرب وفكر، ينفي أن الرجل كان أحد الماهدين للفكر الفلسفي والرؤية العقلانية، والخيار الحداثي المفعم بالوجدان.
يظل جيل جاوز الستين من العمر ويدلف إلى السبعين، مَدينا في استئناسه بالفلسفة بكتاب مدرسي تحت عنوان “دروس في الفلسفة لطلاب البكالوريا المغربية“، وضعه كل من محمد عابد الجابري وأحمد السطاتي ومصطفى العمري الأزموري سنة ،1966 وبقي مُعتمَدا إلى غاية سنة .1980 ما يزال اسم الأول حاضرا لدى المُتعلمين حتى لو لم يقرؤوا له، أما الآخران، فلا يكادان يحضران في الأذهان إلا في دوائر محدودة …ومع ذلك، فقد كان أحمد السطاتي، مَن نسعى أن نُقرّبه لقُراء اليوم، أحد الماهدين للفكر الفلسفي، والرؤية العقلانية، والخيار الحداثي، فضلا عن كونه واحدا من مثقفي الاتجاه القومي، اتفقنا مع هذا الاتجاه أو اختلفنا معه. يشترك السطاتي مع الجابري في المسار، إذ درسا كلاهما في سوريا، قلب العروبة النابض كما كان يتردد، ويشتركان في الانتماء السياسي، بصفتهما عضوين في حزب الاتحاد الاشتراكي، ويؤمنان بالقومية العربية ويلهجان بها ..ويختلف السطاتي عن الجابري في أسلوبه، بلغته الأدبية الرشيقة، وفي ما يطبعه من روح النكتة والدعابة التي تكاد تختفي عند الأول. لربما أن مراتعهما الأولى طبعت شخصيتها. كان السطاتي من الشاوية، من منطقة غنية يغلب عليها المرح، وكان الجابري من واحة فكيك، يُدبّر أهلها شُحّ الطبيعة ونَزَقها، ولذلك تغلُب عليهم الجِديّة، وتغيض منهم روح المرح. كان انتماء السطاتي السياسي، باعتباره واحدا من القوميين المغاربة مُؤثِّرا، ولكنه لم يكن العنصرَ الحاسم في علاقته بالمجتمع. كان يرتبط بعناصر من الإدارة، كما في وزارة الأوقاف، أو وزارة التعليم، أو الخارجية، أو ذوي توجه مخزني، كما مولاي علي الصقلي، صاحب النشيد المغربي، أو محمد بنشريفة، شيخ الدراسات الأندلسية، وعضو أكاديمية المملكة، أما الجابري فكان يرى العالم وما يؤثثه، من جعبة انتمائه القومي، ويهزأ بالتعددية، ولا يعيرها اهتماما. وبتعبير آخر، كان الجانب الإنساني يطغى لدى السطاتي، لا تزري به الانتماءات السياسية والإيديولوجية. لم يكن اختلاف الرأي لديه يفسد للود قضية، كما يقال، وهو أمر استثنائي لمن درج، حينها، في قوالب حزبية وانتماءات إيديولوجية. لم يكن الآخر، وفق هذه النظرة الضيقة، غَيْرا، بل خصما، إن لم يكن عدوا.
حسن أوريد
تتمة المقال تجدونها في العدد 131/130 من مجلتكم «زمان»