بقدر ما كادت الأوبئة تهلك المغاربة بقدر ما أسهمت في تحديد الواقع الديموغرافي للمغرب الذي ارتبط استقرار نموه البشري بمحددات طبيعية.
تميزت المرحلة الممتدة ما بين النصف الثاني من القرن 7هـ/ 13م إلى النصف الأول من القرن 10هـ/ 16م بتحولات سياسية واجتماعية وديموغرافية واقتصادية و«ثقافية» عميقة مثلت في مجملها ملامح عامة لحقبة شكلت بالنسبة للمغرب بداية منحدر وتراجع، وتركت أثرها الواضح على تطورات لاحقة شهدها هذا البلد على امتداد القرون اللاحقة. وقد أسهمت الأوبئة التي لا تكاد تنتهي واحدة إلا وتبدأ أخرى كما لو كانت تظهر بشكل دوري ومنظم، وما رافقها أو سبقها أو تلاها من جفاف أو مجاعة في بصم تلك التحولات بميسمها الخاص. غير أن البحث في آثار هذه الأوبئة ونتائجها، خاصة على الأنشطة الإنتاجية، تعترضه صعوبات منهجية أبرزها ضعف توثيق مؤلفي مصادر هذه المرحلة لهذه الآثار رغم تأثرهم الواضح بها. ويزداد الموضوع صعوبة في ظل غموض المعطيات عن الوضع الديموغرافي، من وجهة إحصائية، وإن كانت الأوصاف الانطباعية المتوفرة تشي بكارثيته، إذ لا مجال للحديث عن أثر الأوبئة على الأنشطة الاقتصادية دون معرفة منحنيات التطور الديموغرافي، في بلد كان السكان فيه يعتبرون قوة العمل الأساسية. خاصة وأن الفقراء، الذين شكلوا غالبية اليد العاملة المحركة للأنشطة الاقتصادية، كانوا أكثر عرضة للموت بفعل افتقارهم لمقومات مقاومة الأوبئة.
هيئة التحرير
تتمة المقال تجدونها في العدد 12 من مجلتكم «زمان»