تقلب السياسي والخبير الاقتصادي إدريس الكراوي بين عدة مناصب ومسؤوليات جسام، وراكم من خلالها تجارب مكنته أن يخرج بخلاصات واستنتاجات نقلها من جيل إلى جيل. في هذا الحوار مع مجلة ”زمان”، يعود بنا إدريس الكراوي إلى مسؤوليته على رأس مجلس المنافسة الذي كان حديث الساعة وقتئذ، لا سيما خلال احتدام النقاش العمومي حول مراقبة الشركات الكبرى وحرية الأسعار. وفضلا عن عرض مساره السياسي، يحدثنا ضيف العدد، عن تجربته مستشارا لكل من الوزراء الأولون: عبد الرحمن اليوسفي وإدريس جطو، ثم عباس الفاسي .في الحوار أيضا، لا يفوتنا رأي هذا الخبير الاقتصادي حول تنظيم المغرب كأس العالم ومدى تأثير الحدث على القدرة الشرائية لما بعد عام ،2030 بالإضافة إلى تحليله ورؤيته للسياسة الفلاحية والرهان الزراعي منذ الاستقلال إلى المخطط الأخضر، وصولا إلى التحديات والإكراهات المناخية للبلاد.
نحن الآن في سنة ،2025 وبحكم خبرتك الطويلة، نسألك عن نتائج تقرير الخمسينية للتنمية، الذي صدر سنة 2005 وحدد هذه السنة (2025) أفقا له. ما الذي تحقق منه؟
بادئ ذي بدء، علينا أن نقرّ أن تقرير الخمسينية “المغرب الممكن، إسهام في النقاش العام من أجل طموح مشترك“، هو في جزئه الأكبر لوحة فحص وتقييم جماعي لنصف قرن من التنمية في بلادنا. فهو لم يحدد أهدافا مرقمة، بل رسم معالم السيناريو التنموي المأمول في أفق 2025بناء على خمسة بؤر للمستقبل قوامها: المعرفة والحكامة والاقتصاد والصحة وإطار العيش. وبالتالي فإذا كان هناك من تقييم فيجب أن يرتكز على ما تم تحقيقه على صعيد هذه البُؤر الخمسة. وفي هذا الصدد فكل التقارير التي أصدرتها سواء المؤسسات الدستورية المستقلة، كالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والمجلس الأعلى للحسابات، وبنك المغرب، والمندوبية السامية للتخطيط، أو تقرير اللجنة الملكية حول النموذج التنموي الجديد الصادر في شهر أبريل ،2021 تنص جميعها على أنه، رغم المجهودات التي بذلتها بلادنا منذ سنة ،2005 سنة صدور تقرير الخمسينية، حتى الآن، فلا زال جزء كبير من هذه الإشكاليات والبؤر الخمسة مطروح.
قبل أن نخوض معك في تجربتك على رأس مجلس المنافسة، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، وعملك الاستشاري مع الوزارة الأولى، لنعد إلى بدايتك ونشأتك. من هو إدريس الكراوي؟
أنا من مواليد سنة 1952 بمدينة القنيطرة، وبالضبط في ساحة الشهداء المعروفة “بديور سنياك“، وهي ساحة غير بعيدة عن الحي الشعبي “الخبازة“ الذائع الصيت .ازددت وترعرعت في وسط عائلي جد متواضع مكون من أخ وخمسة أخوات. أمي رحمهاا لله كانت ربة بيت وأبي طيبا لله ثراه كان يشتغل في “الجوطية“ الوحيدة بالقنيطرة آنذاك. ولقد لعبت ساحة الشهداء دورا حاسما في كل مناحي تكوين شخصيتي واختياراتي. فبحكم تصميمها المعماري والهندسي، كانت هذه الساحة تشتمل على أماكن مغطاة تقي من المطر في فصل الشتاء ومن الحرارة في فصل الصيف، وهذا ما سمح لي وللأصدقاء بالحي بممارسة حياتنا الاجتماعية اليومية طيلة السنة. كنا نستمتع بكل أنواع الانشطة المتاحة لكل طفل في سننا آنذاك، وبخاصة ممارسة هوايتنا المفضلة وهي كرة القدم المصغرة، ومزاولة كل ما يمكن أن يتصوره المرء من أنشطة ترفيهية كانت جلها من إبداعنا بحكم أوضاعنا الاجتماعية. هذه الأوضاع أحدثت لدي وعيا مبكرا بأن لا سبيل للخروج منها إلا عبر المدرسة. ومن هنا بدأت مسيرة حبي لهذه المؤسسة، وحرصي الدؤوب على التحصيل والقراءة والممارسة المبكرة للكتابة.
حاوره غسان الكشوري
تتمة الحوار تجدونها في العدد 136 من مجلتكم «زمان»