ماذا نعرف عن الجنون في المغرب، عن تاريخه ومظاهره؟ تخبرنا المصادر أن المغاربة اهتموا بشكل كبير بالصحة النفسية والعقلية لديهم، وخصصوا لها أماكن وأطباء، ووسائل علاج فريدة. في هذا الحوار، يوضح لنا الدكتور المتخصص والباحث في هذا المجال إدريس المُساوي، علاقة المغاربة بالجنون منذ قرون غابرة، وصولا إلى الفترة الراهنة.
في البداية، هل يمكن أن توضح لنا ما يعني مصطلح الجنون؟
يرتبط مصطلح الجنون في السياق العربي بالجن، أي عندما يسكن الإنسان ذاك الكائن الذي يطلق عليه “الجن“ .لكن أن يكون الشخص “مسكونا“ فهو أمر لا يقتصر على الثقافة العربية فقط، بل نجده لدى جميع الشعوب والحضارات .فمثلا في السنغال، لديهم طقوس تعرف بـ“إندوب“، وهي شبيهة تماما بالجذبة و“طقوس الليلة“ التي توجد عندنا في المغرب. ومنذ قرون غابرة، ظهر في سيبيريا والمناطق الآسيوية نوع من الطب النفسي التقليدي، إذا جاز التعبير، يلقب أصحابه بـ“الشامان“. لدى هؤلاء طرق علاج مشابهة لمن يتعامل مع حالات الجن والمس، فيقومون بـ“صرعه“ كما نقول نحن.
الشيء نفسه يقع لمرضاي، فعندما تصيب بعضهم حالات مرضية غير عادية، وغير مستساغة في المجتمع، يقولون لي إن الجن يحدثهم ويأمرهم بأشياء معينة، فأصف لهم دواء مضاداً للهلوسة. وبعد أيام من الدواء، أسألهم إن كان ما يزال الجن يحدثهم، فيقولون إن الجن لم يعد يتحدث إليهم.. هكذا، يتأكدون أن «الدواء انتصر على جنّهم». هذا الربط بين الجنون والجن ما هو إلا تفسير ثقافي في مجتمع تقليدي، ويندرج في ما نسميه نحن بالمعاناة النفسية. وقد يختلف اللون الثقافي للهذيان أو لتلك الأفكار التي تغزو المرء وتسبب له معاناة نفسية، بحسب ماضي كل شخص وبحسب مجتمعه ومحيطه الاجتماعي الخاص والعام.
في التاريخ، لماذا نقرأ أن ”الجنون “ارتبط بالإبداع والحكمة، كما لم تخل مجالس السلاطين من وجود شخص من هذه الفئة؟
مجنون الحكم نجده تقريبا لدى جميع السلاطين وفي جميع الدول والامبراطوريات.. وخير مثال لدينا في السياق العربي، هي شخصية جحا، الذي يتعامل مع الناس بشكل غير طبيعي لم يعتادوه، لكن أفعاله وأقواله كانت تنم عن غاية ومغزى .وله حكايات مع الحكام تعكس الجرأة التي لا يستطيع أحد البوح بها أمامهم .لذا فهؤلاء “مباح“ لهم التحدث..
حاوره غسان الكشوري
تتمة الحوار تجدونها في العدد 101 من مجلتكم «زمان»