عندما يستحضر غير المتخصصين في تاريخ مغرب العصور الوسطى، إخباريي هذه الحقبة، غالبا ما يطرق ذهنهم اسم عبد الرحمن بن خلدون، ولا يخطر ببالهم أن ثمة مؤرخين آخرين من حجم كبير. ابن عذاري أحد هؤلاء.
لا يعثر الباحث عن حياة ابن عذاري إلا عن النزر اليسير من المعطيات حول شخصيته؛ فبعدما أغفلت كتب التراجم جميعها التعريف به، وهي التي عرَّفت بأشخاص أقل قيمة منه، لم يعد أمام الباحث سوى أن يلم بعضا من المعلومات عن حياته من خلال ما جاء في ثنايا كتابه “البيان المغرب“، وهي لا تشفي الغليل، بما يُظهر أن ابن عذاري لم يبذل مجهودا للتعريف بنفسه. فاسمه كُتب بأشكال مختلفة فهو مرة أبو عبد لله محمد بن عذاري، ومرة أخرى محمد بن محمد بن عذاري، وذُكر مختصرا بابن عذاري أو العذاري، تضاف إليه أحيانا نسبة المراكشي، إلى أن ظهرت مخطوطة جاء فيها رسم اسمه على النحو الآتي: أبو العباس أحمد بن محمد بن عذاري، فتبنى الباحثون هذه التسمية، لكن شكل نسبه ظل بدوره غامضا، فهو ابن عَذَارَى بفتحات ثلاث، وهو ابن عَذَارٍي بفتحتين ثم كسر، وهو ابن عِذَارِي بفتحة بين كسرتين، وهو أحيانا ابن العذاري بأداة التعريف.
«وكل هذه صيغ ترجع (…) إلى الحدس والتقدير والاجتهاد. وكلها تحاول أن ترجع بكلمة “عذاري“ إلى إحدى الكلمتين العربيتين: (العذار) و(العذراء) وجمعها… ومن المحتمل أيضا أن يكون هذا الاسم يرجع إلى أصل آخر عربي أو غير عربي، وحُوِّلَ أو حرف أو صُحِّفَ حتى صار إلى ما صار إليه على الألسنة والأقلام». ويبقى مؤكدا أنه إخباري مغربي من أصول أندلسية بما أن لقبه العائلي الذي اشتهر به أي ابن عذاري كان موجودا بالأندلس، عاش في مراكش وخبر مجالها وساكنتها.
محمد ياسر الهلالي
تتمة المقال تجدونها في العدد 127 من مجلتكم «زمان»