يمثل علم البيطرة وتربية الدواجن أو “البيرزة” تكملة لعلمي الطب والصيدلة كما عرفهما المغرب والأندلس في العصر الوسيط، واللذين استندا إلى النقد والتصحيح والتجربة، مما جعلهما يشكلان مدرسة قائمة المعالم والأركان.
إن الحديث عن البيطرة والبيزرة يعود إلى الأهمية التي كانت للحيوانات والطيور الأليفة في الحياة اليومية بالعدوتين في العصر الوسيط، والتي شملت الاقتصاد والحرب والترف، مما جعل تربيتها وتجارتها تشكل أحد معالم المجتمع المغربي والأندلسي وقتئذ؛ فأقامت الدولة خططا ضمن نظمها الإدارية؛ كـ”صاحب الخيل” بقرطبة الأموية. وتم تخصيص أسواق لذلك؛ مثل ما كان بسرقسطة، و”سوق الدواب بقرطبة”. لذلك، أوصى ابن عبدون المحتسبَ بأن «يُجعل في سوق الدواب أمين يرجع إلى قوله عند الاختلاف بين الأشياء».
وقد نشطت العديد من المهن المرتبطة بالدواب، كالتسمير والبيطرة، كما هو الحال بفاس الوطاسية التي كانت أسواقها تضم مكانا خاصا بـ «البياطرة الذين يصفحون بالحديد سنابك الخيل وغيرها من الدواب». كما خصصت لها فنادق وإصطبلات.
تربية الحيوانات وأدوارها
ليس من الغريب أن تكثر المعلومات عن الدواب والأنعام والطيور بالمغرب الوسيط، إذ يوجد من الدواب «الخيل والبغال والحمير والإبل والبقر والغنم، ولا يعدم عندهم إلا الجاموس فإنه لا يوجد عندهم. وبها أنواع من الطير: من الإوز والحمام والدجاج وغير ذلك، والكركي كثير عندهم على بعد الديار وغربة الأوطان، وتسمى عندهم الغرانيق، وهي عندهم صيد الملوك». أكثر ما وظفت فيه الخيول، لدى قبائل برغواطة بتامسنا، في الفروسية. كما وظفت في السباق. وفي هذا الاتجاه، استُفتِي ابن رشد الجد (ت. 520هـ/ 1126م) «فيما يجوز من الرهان في المسابقة بين الخيل ممن لا يجوز». وفي اتجاه آخر، سئل أبو سعيد بن لب (ت. 782هـ/1380م) عن «جماعة من الفرسان التزموا أن يخرجوا كل يوم خميس للتعليم بخيلهم، وشرطوا أن من غاب منهم من غير عذر أنه يعطي عشرة دراهم في ذلك اليوم، وجعلوا ذلك مستمرا، ويصنعون بما تألف من ذلك طعاما يأكلونه».
سعيد بنحمادة
تتمة المقال تجدونها في العدد 84 من مجلتكم «زمان»