حتى وقت قريب شكلت التجارة الثروة الثانية بعد الزراعة في الأرياف، وبعد الحرف بالنسبة للمدن. أما بالنسبة للدول التي حكمت المغرب خلال العصر الوسيط فكانت التجارة، الصحراوية منها على وجه التحديد، الركيزة الأساسية للحكم.
مثلت التجارة خلال العصر الوسيط مصدر ثروة هام بالنسبة للبلاد وبالنسبة للدول الحاكمة التي كانت تظهر وتضمحل بعلاقة وطيدة مع ازدهار التجارة الصحراوية أو تراجعها. وعندما نتحدث عن التجارة في العصر الوسيط فإن الأمر يتعلق أساسا بالتجارة القارية، والصحراوية منها على وجه الخصوص.
ليس من باب الصدفة أن تنطلق جل الدول المغربية من الجنوب وأن تتموقع عواصمها في مدن مثل سجلماسة ومراكش، لأن هاتين المدينتين كانتا بمثابة “مراسي” تنتهي إليها الطرق التجارية الآتية من الجنوب. ومن سجلماسة ومراكش كانت الطرق تتجه شمالا إلى فاس وسبتة وتلمسان، أي أن توجه التجارة في السابق كان عموديا، يربط إفريقيا بالبحر المتوسط وأوربا، مع دور بارز للمغرب كوسيط في هذه العلاقات التجارية.
وتظهر أهمية التجارة الصحراوية في حرص كل الدول المغربية على وضع يدها على منافذ الصحراء كأول ما تبدأ به هذه الدول عند نشأتها. لذلك، نجد أن المرابطين عندما وصلوا من الجنوب إلى مشارف جبال الأطلس ووادي درعة كان أول همهم هو إخضاع سجلماسة قبل أن يفكروا في التوجه شمالا صوب الغرب والسهول الأطلسية. إلا أن الدول التي جاءت بعد المرابطين، خاصة الموحدين والمرينيين، حولوا أنظارهم تدريجيا عن سجلماسة وفتحوا المجال لمراكز أخرى توجد غربا على الطريق الأطلسية، أي تلك التي تمر بمحاذاة الساحل الأطلسي، وهو ما سيضعف الطريق الشرقية التي كانت تربط بين تمبوكتو وسجلماسة عبر تغازى. وقد يكون هذا الانتقال من الشرق إلى الغرب مؤشرا على تحول التجارة السودانية، وهو ما سيجعل الدول اللاحقة مثل السعديين يولون أهمية أكبر للطريق الرابطة بين وادي نول وبلاد السودان عبر أودغست وولاتة ، في الوقت الذي فقدت فيه سجلماسة أهميتها.
واعتبرت مداخيل التجارة الصحراوية ثروة أساسية بالنسبة للدول التي تعاقبت على حكم المغرب، بدءا بالأدارسة وانتهاء بالعلويين. فالدولة التي كانت تراقب “المراسي الصحراوية” كان بوسعها أن تضمن موارد مالية هامة، سواء عن طريق الجباية المفروضة على القوافل التجارية، أو بواسطة تجار السلطان الذين كانوا يستثمرون أموال الدولة في تجارة لا تضاهيها تجارة أخرى من حيث الأرباح والمردودية.
محمد المنصور
تتمة المقال تجدونها في العدد 61 من مجلتكم «زمان»