تصدر المعمرون الفرنسيون المتحدرون من تجربة الجزائر مواقع النفوذ والتأثير في الإقامة العامة بالرباط .سيطروا على البلاد سيطرة مباشرة كانت أوج الحماية، وفي نفس الوقت، بداية نهايتها.
بدأ الوجود الاستعماري، بعد الحماية، في صيغة تفترض خضوع الوافدين الجدد، ولو شكليا، للسيادة المغربية وذلك وفق ما ورد في معاهدة الحماية، حماية السلطة القائمة، وتأهيل البلاد لتنفتح أمام الاقتصاد الرأسمالي العصري. لم يمض وقت طويل حتى تزايد عدد المعمرين وتزايد نصيبهم من الأراضي الفلاحية، ووسائل الإنتاج عموما، وعظم تأثيرهم على توجهات الإقامة العامة، حتى جعلوها كيانا مستقلا عن الحكومة المركزية في باريس، يضع مصلحة المعمرين فوق كل اعتبار، ولو تناقضت هذه المصلحة مع ما تقرره وزارة الخارجية أو رئاسة الحكومة الفرنسية.
وسط هؤلاء المعمرين، برزت أقلية تميزت بخصائص اجتماعية معينة، مثل تحدرها في الغالب من أوساط المعمرين الجزائريين، ليخضع لها الأمر في مغرب الأربعينات والخمسينات. هذه الأقلية هي التي صنعت في الكواليس مؤامرة عزل السلطان محمد الخامس ونفيه، وأنهت من حيث لا تدري وجود فرنسا في المغرب، على رأي شارل أندري جوليان في مؤلفه المرجعي. ربما يعبر دور هذه الأقلية في توجيه مسار الأحداث عن المعنى العميق للأزمة المغربية، ويفسر الخيارات التي فرضت نفسها على الحركة الوطنية، إذ بات مطلوبا تفادي حل يرسم وضعية السيادة المشتركة التي سعى إليها المعمرون. وهي الصيغة التي ظلت الأقلية الفرنسية المتشددة تجاهد لفرضها حتى بعد عودة محمد الخامس وبداية المفاوضات حول إلغاء عقد الحماية والاعتراف باستقلال المغرب.
إسماعيل بلاوعلي
تتمة المقال تجدونها في العدد 41 من مجلتكم «زمان»