لم يكن لفظ الجلباب شائعا إلا في المغرب والأندلس، وكان يرتديه الرجال من عامة الناس، قبل أن يستهوي الصلحاء، ثم الملوك والأمراء.
جاءت أولى الإشارات الدالة على أن الجلباب كان لباسا خاصا بالصلحاء في كتاب “دوحة الناشر” الذي وردت فيه ترجمة لأحد صلحاء مدينة تطوان بداية القرن 15، وذلك زمن السيدة الحرة. «وكان أبو عبد لله محمد البهجة الأندلسي من أصحاب الشيخ أبي الحسن يشتري له (أي للرجل الصالح) برنوسا وجلابية وشاشية»، وفق ما يذكر «دوحة الناشر لمحاسن من كان بالمغرب من مشايخ القرن العاشر» لمؤلفه محمد بن عيسى الحسني الشفشاوني. كما أن الإشارة إلى الجلباب قد وردت، كذلك، عند صاحب كتاب “الروض العطر الأنفاس” في ترجمته لأحد صلحاء فاس يدعى سيدي عزوز.
أسير فرنسي يصف الجلباب
لم يكن ارتداء الجلباب يقتصر على الصلحاء من المغاربة فقط. بل كان لباس الفقراء كذلك. حيث يورد الفرنسي مويط، الذي قضى إحدى عشر سنة في الأسر زمن السلطان المولى إسماعيل، أن الجلباب كان لباس المضطهدين، حيث يقول في مذكراته التي ألفها بعد رجوعه إلى فرنسا: «كان لباسنا عبارة عن جلباب من صوف ذي غطاء للرأس وكمين ككساء راهب، وكان يصلح كقبعة». في مقابل ذلك، كان لباس الأغنياء والعلماء والأعيان في حاضرة فاس مختلفا… «وأهل فاس، أعني الأعيان منهم، أناس محترمون حقا، يرتدون في الشتاء ملابس من قماش الصوف المستورد من الخارج، تتكون من سترة ضيقة جدا لها نصف أكمام، توضع فوق قميص وفوقها عباءة واسعة مخيطة من أمام ويغطون كل ذلك ببرنس، ويلبسون على رؤوسهم قلنسوة، ويلفون حول القلنسوة عمامة من كتان تدور مرتين حول الرأس وتمر تحت الذقن، ومن عادة العلماء والأعيان المتقدمين في السن أن يلبسوا سترات عريضة الاكمام مثل ما يلبسه نبلاء البندقية»، يذكر الحسن بن محمد الوزان أو ليون الإفريقي في كتابه “وصف إفريقيا”، الذي لم يغفل الإشارة إلى لباس فقراء وعامة مغرب القرن 16 بالقول: «إنهم كانوا يرتدون ثوبا من نسيج صوف البلاد الخشن وبرانسهم من نفس النسيج».
هشام الأحرش
تتمة المقال تجدونها في العدد 81 من مجلتكم «زمان»