كان المغرب، خلال الحرب العالمية الأولى، مسرحا لحرب أخرى بين فرنسا وألمانيا، حسمها في الأخير الماريشال ليوطي، بمباركة السلطان والقواد الكبار.
وجدت فرنسا نفسها بعد سنتين من استعمار المغرب في مواجهة تحديات كبيرة، فأمام رغبتها في تثبيت أقدامها فيه، وإعادة بناء هياكله بما يخدم مصالحها فوق أرضه، كانت طبول الحروب تقرع في الساحة الأوربية. لذلك، كان أمامها خياران، إما الحفاظ على احتلال المغرب وفي هذه الحالة الإبقاء على مزيد من الجنود فيه على حساب الدفاع عن الحدود، وإما إرسال أكبر عدد منهم إلى جبهات الحرب مع ما يعنيه ذلك من احتمال فقدان فرنسا لمستعمرتها. تتمحور إشكالية الموضوع في رصد الوضعية الصعبة والحرجة التي عاشتها فرنسا خلال الحرب العالمية الأولى، المتمثلة في الربط بين ضَياع اللورين في شمال فرنسا وضَياع المغرب كمستعمرة خارج الأراضي الفرنسية، ثم تتبع السياسة التي ابتكرها ليوطي خلال هذه الفترة والتي قاومت بشجاعة صدمات الحرب، حيث استطاع، بحنكته وإصراره القويين، إبقاء مجموع البلاد تحت السيطرة والتمسك بها رغم تقليص عدد القوات العسكرية، وفي الوقت نفسه تزويد فرنسا بكل ما تحتاجه من هذه القوات لتوظيفها في الدفاع عن الجبهة الأوربية. كان الرأي العام الفرنسي، قبيل الحرب، يؤمن بأن المغرب سيكون مصدر قلق كبير لفرنسا في حال اندلاع حرب دولية تدخلها، لأن بعض مناطقه كانت ما تزال خارج السيطرة الفرنسية. ولأن المغاربة، في نظرهم، محاربون أباة، تأثروا كثيرا بالدعاية الألمانية، وسيستغلون دخول فرنسا الحرب ليحاولوا التمرد. فتبلور، منذ ذلك الوقت، اتجاهان اثنان: إما الحفاظ على احتلال المغرب وفي هذه الحالة بقاء عدد كبير من الجنود بالمغرب. وإما الانسحاب من الداخل والانحصار في المراسي مع ما كان يعنيه ذلك من احتمال الثورة العامة التي ترمي بالفرنسيين في البحر، وتنتقل إلى الجزائر وتعلن الجهاد بالمستعمرات الفرنسية المسلمة. في 27 يوليوز 1914، أي في الوقت الذي أصبح فيه خطر الحرب محققا، تلقى الماريشال ليوطي، المقيم العام، برقية من وزير خارجية بلاده يخاطبه قائلا: «في حالة الحرب ينبغي أن تهدف كل جهودكم إلى الاحتفاظ في المغرب بالحد الأدنى من القوات التي لا يمكن الاستغناء عنها.
جلال زين العابدين
تتمة الملف تجدونها في العدد 62 من مجلتكم «زمان»