سعى السلطان المولى الحسن الأول، بمجرد تمكنه من الحكم، إلى القيام بإصلاحات جذرية لتدارك التأخر الذي كان يعرفه المغرب في كل الميادين. إصلاحات لم يكنب لها النجاح.
دفع ضغط القوى الأجنبية على المغرب، خلال القرن التاسع عشر والهزائم العسكرية المتوالية لهذا الأخير (1844 أمام فرنسا ثم 1859-1860 عي يد إسبانيا)، والاختلال الكبير لصالح أوربا، (دفع) سلاطين المغرب وخصوصا المولى الحسن الأول إلى محاولات إصلاح باء جلها بالفشل. الإصلاحات شملت ميادين عدة منها الإدارة والجباية والجيش مع إرسال مئات المغاربة إلى أوربا للدراسة أو ليتدربوا على التقنيات العسكرية والصناعية الجديدة. لكن ما يسميه عبد المجيد القدوري بـ”التجاوز الحضاري” كان يبدو وكأنه لا رجعة فيه. لقد استشعر الحسن الأول، بعمق، اختلال ميزان القوى مع أوربا. كما أدرك بدقة مخاطر هذا الاختلال على سيادة المغرب ووحدته الترابية. فكان تقديره أن أول ما يجب إصلاحه هو المنظومة العسكرية بمجملها، وذلك لحماية حوزة البلاد من مؤامرات الطامعين بالشمال والشرق.
كان تحديث الجيش يتطلب موارد مالية استثنائية ومستدامة، ولهذا لجأ آخر السلاطين الكبار قبل الاستعمار إلى فرض نظام جبائي حديث سُميَ بالترتيب. وكان من أهم مميزات هذا النظام الضرائبي الجديد عقلانيته وعدم التزامه الحرفي بشكليات الفقه التقليدي رغم أنه –أي نظام الجباية الحسني- كان يستلهم روح العدالة الإسلامية. المساواة ونبذ الامتيازات كانت إحدى العناوين الكبرى لنظام الترتيب. وهكذا فقد كتب الحسن الأول إلى الأمناء القائمين على تدبير أمور الجباية، وبالحرف الواحد، أن القصد من الترتيب هو “التسوية بين الشريف والمشروف، والرئيس والمرؤوس، فهم في ذلك سواء، ومن جملتهم أهل الزوايا فيؤدون الواجب عليهم كغيرهم… “. إلا أن الأزمة المالية الخانقة والفساد البنيوي والظلم المزمن الذي تعاني منه الرعية المغلوبة على أمرها والتقليدانية الموغلة في التخلف للنخبة المخزنية والدينية وعدم تصدي الإصلاحات للجوانب السياسية، كانت كلها أسباب ساهمت في فشل هذه العملية التاريخية المسماة إصلاحا…
تجدون في هذا الملف عروضا مقتضبة ومتيسرة الفهم والاستيعاب… إنها كلها نصوص وصفية وتفسيرية تروم الإجابة على السؤال الكبير: لماذا فشل الإصلاح وإذن لماذا سقط المغرب في الأخير تحت الوصاية الأجنبية؟
المعطي منجب