لم تختلف الذهنية التي تعامل بهــا حكام المغرب مع الـرعية عبر العصور. هنا بعض نماذج الاستبداد والقهر من تاريخ المغرب الحديث.
ارتبط النزوع نحو القهر والتسلط بامتلاك السلطة، ومن امتلك السلطة لابد أن يسيء استعمالها. هذا حال البشر، بالنسبة للأفراد كما بالنسبة للدول. بل يمكن القول إن تاريخ البشرية هو تاريخ للقهر والتسلط. فبالقهــر قامت الحضارات الكبرى، ولولا القهر لما كانت أهرام مصر ولا سور الصين العظيم ولا أعمال الري الكبرى في آسيا والمشرق، ولما غطت إمبراطوريات نصف المعمور لقرون عديدة. وحتى في أوربا، التي ينظر إليها اليوم كمركز إشعاع للديموقراطية والمساواة بين بني البشر، كان القهر والاستبداد وإذلال الإنسان، من طرف الحكام، من الأمور العادية والمألوفة قبل بزوغ عصر حقوق الإنسان مع نهاية القرن الثامن عشر. وحتى بعد الثورة الفرنسية في سنة 1789 وإعلانها الشهير لحقوق الإنسان، استمرت الدول الأوربية في قهر مواطنيها بشتى الأشكال، أما بالنسبة لبقية الشعوب فحدث ولا حرج، إذ لم تكن هذه الثورة إلا المقدمة الأولى لعصر الاستعمار واستعباد الأمم في كل أصقاع العالم.
ولماذا تكون شعوبنا خارجة عن هذه القاعدة؟ فالدول الحاكمة في إطار حضارتنا الإسلامية، مشرقا ومغربا، لم تختلف في سلوكها عن مثيلاتها في أوربا أو غيرها. فحتى بداية القرن الماضي، كان الناس في بلادنا يساقون أفرادا وجماعات مسلسلين في طوابير طويلة نحو ساحات القتل لا لشيء إلا لأنهم رفضوا، أو ربما عجزوا، عن أداء الواجبات المخزنية، أو رفضوا الانصياع لقائد ظالم. بل يمكن القول إن العهود «المشرقة» من تاريخنا التي نفتخر بها والتي شهدت سلاطين أقوياء كالمنصور السعدي أو المولى إسماعيل العلوي لم تكن «مشرقة» إلا لأنهـا سجلت أكبر نصيب من القهر والتحكم في رقاب الناس.
محمد المنصور
تتمة الملف تجدونها في العدد 38 من مجلتكم «زمان»