تتضمن المنظومات الفكرية، لليساريين والإسلاميين، تمثلات تصنف الآخر في خانة “العدو”. كما أن مشاريعهم لا تخصص للآخر إلا مكانة المنهزم لسلطة الحاكم ”باسم الله” أو ”باسم الشعب”.
تألقت المصالح الأمنية والمخابراتية، في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، في خلق مواجهات بعضها عنيف أحيانا بين اليساريين والإسلاميين، وتأليب بعضهم ضد بعض. لكن حين جمعت ظروف الاعتقال بين اليساريين والإسلاميين في نفس الزنازين، توارت المكبلات وسما البعد الإنساني على كل الأبعاد الأخرى، ليلتقط ويفجر قيم التضامن والتعاطف والإنصات. بل، في بعض الحالات تنسج، على قاعدة هذه الآلام المشتركة، مشاعر الإخاء والمودة وحتى صداقات دائمة، إلا أن التوجه العام يظل هو الحذر والريبة وفي أحسن الأحوال وصف الآخر بـ“الخصم النزيه”، كما حصل خلال ثمانينات القرن العشرين بين منظمة العمل الديمقراطي الشعبي وجماعة العدل والإحسان.
ينتمي اليساريون المغاربة بكل تعبيراتهم إلى المرجعية الاشتراكية، ويعتقدونبحتمية الثورة وبالتعاقب التقدمي للتاريخ، ويوصفكل من لا يسير في اتجاهه بالرجعي ومصيره “مزبلة التاريخ“. أما الإسلاميون المغاربة من جهتهم، وباختلاف مشاربهم المذهبية والعقدية، فينتمون إلى الإسلام السياسي بمختلف تموجاته عبر العالم. الإسلام في نظرهم “دين ودنيا“، والقرآن “دستور متكامل“، والأمة الإسلامية محكومة من أنظمة، أغلبها ضال وظالم، تقود محكوميها إلى “جاهلية جديدة“. أما اليساريون، الذين يدعون تمثيل طليعة المجتمعات، فهم، في أعين الإسلاميين، من “جماعة الشيطان“، علمانيون، ملاحدة، ومرتزقة. كانت هذه طبعا مواقف قطعية عند كل طرف لم يعبر عنها دائما بهذه الصيغة الصارمة، إلا أنها هي المستبطنة في عمق المخيال الجماعي لكل طائفة. سيتأثر الإسلاميون واليساريون بتطورات الأحداث السياسية على الصعيد الدولي وبالتحولات الثقافية التي واكبت الثورة التكنولوجية والمعلوماتية. بالتوازي مع هذه التحولات العالمية، سيشهد المغرب تحولات مهمة سيكون لها فعلها وسط الإسلاميين واليساريين. أول هذه التحولات توسع فضاءات الاحتجاج منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، وثانيها تحول أماكن تأطير الاحتجاج من فضاءات المركزيات النقابية الحزبية إلى الشارع العمومي. مما سيعدد اللقاءات الميدانية بين اليسارين والإسلاميين.
على قاعدة هذه التطورات وفي سياق الاحتكاكات الميدانية المتكررة سيتفاعل الصفان. ولعل أهم وأطول تفاعل، من حيث جغرافية أماكن التماس والمدة الزمنية، هو التفاعل/ التصادم الذي حصل طيلة شهور حراك “20 فبراير“، أي قرابة تسعة أشهر وفي أكثر من 200 مدينة وقرية.هناك بدأت تطفو في الأحاديث المشتركة، ولو بنوع من الخجل والتردد، عبارات من قبيل “دستور شعبي ديمقراطي” و“الدولة المدنية” و“المرجعيات المتعددة“.. إلخ، إلا أن كل طرف كان يضمنها معانٍ تتماشى ومنظومته الفكرية والإيديولوجية المستبطنة.
يتحدث البعض الآن عن “الكتلة التاريخية” الجامعة، وعن التحالف بين الإسلاميين واليساريين من اجل التأطير المشترك لمسيرة التغيير. لكن هذا التغيير المنشود مبهم في غاياته الاستراتيجية وفي طبيعة المشروع المجتمعي المستقبلي ومكانة وتموقع الحساسيات المجتمعية المختلفة داخله. لرفع هذا الغموض، يتناظر الأستاذان علي بندين، منسق تيار “اليسار المواطن” داخل الحزب الاشتراكي الموحد، وعمر إحرشان، القيادي في جماعة العدل والإحسان.
حاورهما المصطفى بوعزيز وخالد الغالي
تتمة المناظرة تجدونها في العدد 2 من مجلتكم «زمان»